قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً ﴾؛ يعني النبوةَ والكتابَ والْمُلكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ ﴾؛ أي سَبحِي معهُ إذا سَبَّحَ، فكان داودُ عليه السلام إذا سَبَّحَ سَبَّحَتِ الجبالُ معه حتى يُسمَعَ صوتُ تسبيحِها. وقُرئَ (أُوْبي مَعَهُ) أي عُودِي في التَّسبيحِ معه كلَّما عادَ فيهِ. وقال القُتَيْبيُّ: (أصْلُهُ مِنَ التَّأْويْب، وَهُوَ السَّيْرُ باللَّيْلِ كُلِّهِ، كَأَنَّهُ أرَادَ ادْنِي النَّهَارَ كُلَّهُ بالتَّسْبيْحِ مَعَهُ). وَقِيْلَ: تسيرُ معه كيفَ شاءَ. وقوله ﴿ وَٱلطَّيْرَ ﴾، قرأ العامةُ بالنصب، وله وجوهٌ؛ أحدُها: بالفعلِ؛ تقديرهُ: وسخَّرنَا له الطيرَ، تقول: أطعَمتهُ طَعَاماً ومَاءً أي وسَقيتهُ ماءً. والثانِي: بالنِّداءِ، يعني بالعطفِ على موضعِ النداء، لأنَّ موضعَ كلَّ مُنادَى النصبُ. والثالث: بنَزعِ الخافضِ، كأنه قالَ: أوِّبي مَعَهُ الطَّيرَ، كما يقالُ: لو تركتَ الناقةَ وفصِيلَها لرَضَعَها؛ أي مع فصِيلها. وقرأ يعقوبُ (والطَّيْرُ) بالرفعِ عَطفاً على الجبالِ. وَقِيْلَ: على الابتداءِ، قال الشاعرُ: ألاَ يَا زَيْدُ وَالضَّحَاكُ سِيرَا فَقَدْ جَاوَزْتُمَا خََمَرَ الطَّرِيْقِيُروى هذا البيتُ بنصب (الضَّحَّاكَ) ورفعهِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ ﴾؛ أي جعلنَا له الحديدَ لَيِّناً يضربهُ كيفَ شاءَ من غيرِ نارٍ ولا مِطرَقَةٍ، وكان عندَهُ مثلُ الشَّمعِ والطينِ المسلول والعَجِينِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ ﴾؛ أي قُلنا له اعْمَلْ دُرُوعاً واسعاتٍ تامَّاتٍ يجرُّها لابسُها على الأرضِ، فكان داودُ عليه السلام أوَّلُ مَن عَمِلَ الدُّروعَ، والسَّابغُ: هو الذي يغطِّي كلَّ ما على الرجُلِ حتى يفضُلَ، فكان داودُ يبيعُ كلَّ درعٍ بأربعَةِ آلاَفٍ، فيأكلُ ويُطعِمُ عيَالَهُ ويتصدَّقُ على الفُقَرَاءِ والمساكينِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ ﴾؛ أي اجْعَلْ حِلَقَ الدِّرعِ متتابعةً مُتناسقةً بعضُها إلى بعضٍ على مقدارٍ مَعلُومٍ لا يتفاوتُ على وجهٍ، ولا تنفذُ فيه السِّهامُ ولا السِّنانُ. يقال: سَرَدَ الكلامَ يسرِدُهُ إذا ذكَرَهُ بالتأليفٍ على وجه تحصلُ به الفائدةُ، ومِن هذا يقالُ لصانعِ الدُّروعِ: سَرَّادٌ وَزَرَّادٌ. والسُّرُودُ والزُّرُدُ للوَصْلِ. وقال بعضُهم: السَّرْدُ سَمْرُكَ طَرَفَي الْحَلَقِ؛ أي لا تَجعَلِ المساميرَ دِقَاقاً فتنغلقَ، ولا غِلاَظاً فتكسرَ الحلَقُ، واجعَلْ ذلك على قَدْر الحاجةِ. والقولُ الأولُ أقربُ إلى الآيةِ، لأن الدروعَ التي عمِلَها داودُ كانت بغيرِ المساميرِ؛ لأنه كانت معجزةً. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً ﴾؛ أي قالَ اللهُ لآلِ داودَ: اعْمَلُوا صَالِحاً فيما بينَكم وبينَ ربكُم.
﴿ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾؛ من شُكرٍ وطاعةٍ.