قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ﴾؛ أي بل عَجِبتَ يا مُحَمَّد من إنكارهم للبعث مع ظُهور ما وَجَبَ من الحجَّة والأدلة، ويقالُ: بل عَجِبَ من جهلِهم حيث اختارُوا ما تجبُ به النارُ لهم وتركوا ما يجب لهم به الجنَّة، وهم يسخَرون من بعثَتِكَ، ويستهزِئون بكلامِكَ بالقرآنِ. وقرأ حمزةُ والكسائي وخلَف بضمِّ التاء، وهي قراءةُ ابنِ مسعود على معنى أنَّهم قد حَلُّوا محلَّ مَن تعجَّبَ منهم، وقال الحسنُ بن الفضل: الْعَجَبُ مِنَ اللهِ عَلَى خِلاَفِ الْعَجَب مِنَ الآدَمِيِّينَ، وَإنَّمَا مَعْنَى الْعَجَب هَا هُنَا هُوَ الإنْكَارُ وَالتَّعْظِيمُ، وَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ:" أنَّ اللهَ لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّاب لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ ". وَقِيْلَ: إن الجنيدَ سُئِلَ عن هذه الآيةِ فقال: (اللهُ لاَ يَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ، وَلَكِنَّ اللهَ وَافَقَ رَسُولَهُ لَمَّا عَجِبَ رَسُولُهُ فَقَالَ:﴿ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾[الرعد: ٥] أيْ هُوَ كَمَا تَقُولُهُ) قال شُرَيحُ: (إنَّمَا الْعَجَبُ مِمَّنْ لاَ يُعْلَمُ، وَاللهُ تَعَالَى عِنْدَهُ عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ). وقرأ الباقونَ (بَلْ عَجِبْتَ) بفتحِ التاء على خطاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم. و(بَلْ) معناه: تركُ الكلامِ الأوَّلِ والآخرِ في كلامِ آخر، كأنَّهُ قال: دَعْ يا مُحَمَّد ما مضَى عجيبٌ من كفار مكَّة حين أوحيَ إليك القرآنُ ولَم يؤمنوا بهِ. وقولهُ تعالى ﴿ وَيَسْخَرُونَ ﴾ لأنَّ سُخرِيَتَهم بالقرآنِ تركُ الإيمانِ به، قال قتادةُ: (عَجِبَ نَبيُّ اللهِ مِنْ هَذا الْقُرْآنِ حِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ، وَظَنَّ أنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَهُ آمَنَ بهِ، فَلَمَّا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ وَلَمْ يُؤْمِنُواْ بهِ وَسَخِرُواْ مِنْهُ، عَجِبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذلِكَ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَجِبْتَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَيْكَ وَتَرْكِهِمُ الإيْمَانَ).