قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾؛ أي أقبلَ الشياطين والمشركون يسألُ بعضهم بعضاً سؤالَ توبيخٍ.
﴿ قَالُوۤاْ ﴾، فيقولُ المشركون للشياطين: ﴿ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ ﴾؛ فتُزَيِّنوا لنا الضَّلالةَ، وتَردُّوننا عن الخيرِ.
﴿ قَالُوا ﴾، فيقولُ لهم الشياطين: ﴿ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾؛ إنما كان الكفرُ مِن قِبَلِكم.
﴿ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾؛ أي من قوَّةٍ فنُجبرَكم على الكفرِ.
﴿ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ ﴾؛ أي مُتجاوزين ضَالِّين. وقال الحسنُ فِي مَعْنَى الآيَةِ: (وَأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ أيْ أقْبَلَ التَّابعُونَ عَلَى الْمَتْبُوعِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَيَقُولُونَ: لَوْلاَ أنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُ لَهُمُ الرُّؤَسَاءُ: مَا أجْبَرْنَاكُمْ عَلَى الْكُفْرِ بَلْ كَفَرْتُمْ بسُوءِ اخْتِيَاركُمْ، فَيَقُولُ لَهُمُ التَّابعُونَ: إنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ؛ أيْ مِنْ أقْوَى الْجِهَاتِ، وَذلِكَ أنَّ جِهَةَ الْيَمِينِ أقْوَى مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ، كَمَا أنَّ الْيَمِينَ أقْوَى مِنَ الشِّمَالِ) وتقديرهُ: خدَعتُمونا بأقوَى الوجُوهِ، واليمينُ هي القوَّة، قَالَ اللهُ تَعَالَى:﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ ﴾[الصافات: ٩٣] أي بالقوَّة. وقال قتادةُ: (مَعْنَى: إنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ؛ أيْ تَمْنَعُونَنَا عَنْ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى) فََيَقُولُ الرُّؤَسَاءُ: لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فِي الأَصْلِ، إذا لَمْ تَكُونُوا تُرِيدُونَهُ، فَكَيْفَ إجْبَارُكُمْ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سَلْطَنَةِ الإجْبَار عَلَى الْكُفْرِ.
﴿ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ ﴾؛ أي فوجبَ علينا جَميعاً كلمةُ ربنا بالعذاب والسُّخط، وهي قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ ﴾[الأعراف: ١٨].
وقوله: ﴿ إِنَّا لَذَآئِقُونَ ﴾؛ أي لذائِقُوا العذاب، فالضَّالُّ والْمُضِلُّ في النار، وقولهُ تعالى: ﴿ فَأَغْوَيْنَاكُمْ ﴾؛ أي أضْلَلْنَاكم عن الهدَى ودعوناكم إلى الغِوَايَةِ.
﴿ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ﴾، بأنفُسِنا.