قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ﴾؛ أي إعْلَمْ واذْكُرْ ﴿ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ﴾ يعني جبريلُ ﴿ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ﴾ يعني عيسى عليه السلام سَمَّاه كلمةً؛ لأنه كان بكَلِمَةٍ مِن اللهِ ألقَاها إلى مريَم؛ ولم يكن بوَالِدٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ ﴾ إنَّما ذكرَ بلفظِ التذكيرِ؛ لأنَّ معنى الكلمةِ الولدُ فلذلك لَم يقل اسْمُها. واختلفوا في تسميتِه مَسِيْحاً، قال ابنُ عبَّاس: (الْمَسِيْحُ: الْمَمْسُوحُ بالْبَرَكَةِ) فالمسيحُ فَعِيْلٌ بمعنى مَفْعُولٌ، وقال بعضُهم: سُمِّي مَسِيْحاً بمَعْنَى الْمَاسِحِ، كان يَمْسَحُ على ذوي العِلَلِ فَيَبْرَؤنَ. وقيل: إنه كان يَمسحُ الأرضَ مَسْحاً ولا يطوفها؛ أي يسيحُ فيها، وقيل: إنه خرجَ من بطنِ أمِّهِ مَمسوحاً بالدُّهن. وقيل: مَسَحَهُ جبريلُ بجناحيهِ من الشَّيطان حتى لا يكونَ للشيطانِ عليه سبيلٌ. وقال الكلبيُّ: (الْمَسِيْحُ: الْمَلِكُ الَّذِي لاَ حَاجَةَ لَهُ إلَى أحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِيْنَ). رُوي عن ابنِ عبَّاس أنه عليه السلام كانَ يقولُ:" الشَّمْسُ ضِيَاءٌ وَالْقَمَرُ سِرَاجٌ "وإنَّهُ كَانَ يَقُولُ:" الشَّمْسُ سِرَاجِي وَالْقَمَرُ ضِيَائِي "، وَيَقُولُ:" الْبَرِّيَّةُ طَعَامِي، أبِيْتُ حَيْثُ يُدْرِكُنِي اللَّيْلُ، لَيْسَ لِي وَلَدٌ يَمُوتُ وَلاَ دَارٌ تَخْرَبُ وَلاَ مَالٌ يُسْرَقُ، أصْبحُ وَلاَ غَدَاءَ لِي، وَأمْسِي وَلاَ عَشَاءَ لِي، وَأنَا مِنْ أغْنَى النَّاسِ "قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ ﴾؛ أي ذا قَدْرٍ ومنْزِلة في الدنيا عندَ أهلِها، وفي الآخرةِ عندَ ربهِ، والوجيهُ الذي لا يُرَدُّ قولُه، ولا مسألتُه. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ ﴾، أي مِنَ الْمُقَرَّبيْنَ إلَى ثواب الله في جنَّةِ عدنٍ وهي الدرجةُ العُليا، والتقرُّب إلى اللهِ تقرُّبٌ إلى ثوابهِ.