قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ﴾؛ رُوي سببُ نزولِ هذه الآيةِ: أنه لَمَّا نزلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ ﴾[الصافات: ٦٢] كانوا يقولون لا ندري ما الزقومُ؟ فكانوا يتذاكَرون هذا الحديثَ إذ جاءَهم عبدُالله بن الزبعرَى السهمي فذكَرُوا له، فقالَ: أكثرَ اللهُ في بيوتِكم منها، إن أهلَ اليمنِ يدعُوا الزُّبدَ والتمرَ الزقُّوم، فقالَ أبو جهلٍ لجاريتهِ: زَقِّمِينَا يا جاريةُ، فَأتَتْهُ بزُبدٍ وتَمرٍ، فقال: تَزَقَّمُوا فإنَّ هذا الذي يُخوِّفُكم به مُحَمَّدٌ، فشاعَ في أهلِ مكَّة أن مُحَمَّداً يُخوِّفُ أصحابَهُ بالزُّبد والتمرِ، فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ﴾ أي عَذاباً بالكافرين، والفتنةُ: هي العذابُ كما قَالَ اللهُ تَعَالَى:﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ ﴾[الذاريات: ١٣-١٤] أي عذابَكم فأنزلَ الله تعالى﴿ إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ ﴾[الدخان: ٤٣-٤٤].
ويجوزُ أن يكون معنى الفتنةِ في هذه الْمِحْنَةَ والبليَّةَ كما قَالَ اللهُ تَعَالَى: هذه الشجرةُ افتتنَ بها الظَّلَمةُ. قالوا: كيف يكون في النار شجرةٌ وهي تأكلُها؛ لأن النارَ تأكلُ الشجرَ، فأنزل اللهُ تعالى ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ﴾ أي خِبرةً لهم افتَتَنوا بها وكذبوا بكونِها. وبيَّنَ اللهُ تعالى: ﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ ﴾؛ أي تنبتُ في قعرِ الجحيم، قال الحسنُ: (أصْلُهَا فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ، وَأصْلُهَا فِي دَرَكَاتِهَا، بالنَّار غُذِّيَتْ وَمِنْهَا خُلِقَتْ بلَهَب النَّار، كَمَا يَنْمُو شَجَرٌ بالْمَاءِ، كُلَّمَا ازْدَادَتِ النَّارُ الْتِهَاباً ازْدَادَتْ تِلْكَ الشَّجَرَةُ نُمُوّاً وَارْتِفَاعاً، وَإنَّ أهْلَ النَّار لَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَلْبَسُونَ النَّارَ، وَيَتَقَلَّبُونَ فِي النَّار، وَإنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّار عَذاباً رَجُلٌ يَكُونُ لَهُ نَعْلاَنِ يَغْلِي مِنْ حَرِّهِمَا دِمَاغُهُ).