قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾؛ تَنحِتُونَ بأيديكم؛ أي خلَقَكم ومعمُولكم وهو منحوتُهم الذي نَحتوهُ، والمعنى: خلَقَكم وعمَلَكم، وهذا مذهبُ أهلِ السُّنة؛ لأنَّهم يعتقدون أنَّ اللهَ خلَقَهم وعمَلَهم، والقدريَّةُ تُنكِرُ خلقَ الأعمالِ. فلمَّا ألزمَهم إبراهيمُ عليه السلام الحجَّةَ.
﴿ قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ ﴾؛ أي قالوا: ابنُوا له حَائِطاً من حجارةٍ طولهُ في السَّماء ثلاثون ذِرَاعاً، وعرضهُ عشرون ذراعاً، ومَلَؤُوهُ نَاراً، وذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ ﴾ وهي النارُ العظيمة، فبَنَوا له ذلك وجَمعُوا فيه الحطبَ، وأرسَلُوا فيه النارَ حتى صارَ جَحيماً، ثم رمَوهُ بالمنجنيقِ. فنجَّاهُ اللهُ تعالى، وجعلَ النارَ عليه بَرْداً وسَلاماً لم يُؤذهِ منها شيءٌ ولا أحرقَتْ شيئاً من ثيابهِ، وذلك لإخلاصهِ وقوَّةِ دِينهِ وصدقِ توكُّلهِ ويقينهِ، كما رُوي أنه عليه السلام لما انفصلَ من المنجنيقِ أتاهُ جبريل في الهواءِ، فقالَ هل لكَ من حاجةٍ؟ فقال: وأمَّا إليكَ فلاَ.