قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾؛ أي فلمَّا انقادَا وخضعا لأمرِ الله تعالى ورَضِيَا به، وقرأ ابنُ مسعود: (فَلَمَّا سَلَّمَا) أي فَوَّضَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ أي صَرَعَهُ وأضجعَهُ وكَبَّهُ على وجههِ للذبحِ، وَقِيْلَ: طرحَهُ على الأرضِ على أحدِ جَنبَيْهِ كما يُفعَلُ بالكبشِ حين يُذبَحُ، نادته الملائكةُ من الجبلِ بإذن الله: ﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ ﴾؛ أي وَفَّيْتَ الرُّؤيا حقَّها؛ أي وفَّيتَ بما أُمِرتَ به في المنامِ، دَعِ ابنكَ وخُذِ الكبشَ الذي ينحدرُ إليكَ من الجبلِ المشرفِ على مسجدِ مِنَى. وقولهُ تعالى ﴿ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ ﴾ أي نُودِيَ من الجبلِ أن يا إبراهيمُ قد صدَّقتَ الرُّؤيا لأنَّ الله تعالى قد عرَفَ منهُما الصدقَ حين قصدَ إبراهيمُ الذبحَ بما أمكنَهُ وطاوعَ الابنُ بالتمكينِ من الذبحِ، ففَعلَ كلُّ واحدٍ منهما ما أمكنَهُ وإن لم يحقِّقوا الذبحَ، وكان قد رأى في المنامِ معالجةَ الذبح ولم يُرَقِ الدمُ، ففعلَ في اليقظةِ ما رأى في المنامِ، فلذلكَ قيل له: ﴿ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ ﴾ وتَمَّ الكلامُ. ثم قال ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾؛ أي هكذا نُجزِي كلَّ مُحسِنٍ ممن سلكَ طريقَهما في الانقيادِ لأمر الله، وجميلِ الصبر على ابتلائهِ.