قولهُ تعالى: ﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ﴾؛ اي ألْهَمنَا الحوتَ أن يطرحَهُ على فضاءٍ من الأرضِ، والعَرَاءُ هو المكانُ الخالِي من الشَّجر والبناءِ، قال مقاتلُ: (مَعْنَى: ﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ ﴾ يَعْنِي وَجْهَ الأَرْضِ وَهُوَ سَقِيمٌ قَدْ بَلِيَ لَحْمُهُ مِثْلَ الصَّبيِّ الْمَوْلُودِ)، قال ابنُ مسعودٍ: (كَهَيْئَةِ الْفَرْخِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ ريشٌ). وَقِيْلَ: معنى ﴿ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾ أي وهو مَرِيضٌ، وذلك لما أصابَهُ في بطنِ الحوت من الشدَّةِ والضَّغطَةِ والبُعدِ من الهواءِ والغذاء، حتى ضعُفَ جسمهُ ورقَّ جلده ولم يبقَ ظُفْرٌ ولا شعرٌ كالولدِ أوَّلَ ما يخرجُ من بطنِ أُمِّه. فلما أُلقِيَ على وجهِ الأرض كان يتأذى بحرِّ الشمس، فأنبتَ اللهُ تعالى عليه شجرةً من يَقْطِينٍ، قال الكلبيُّ: (هِيَ الْقَرْعُ)، وهي شجرةٌ الدُّبَّاءِ العربي، وكلُّ شجرةٍ لا تقومُ على ساقٍ وتمتدُّ على وجهِ الأرضِ مثل القَرْعِ والبطِّيخ ونحوِها فهو يقطينٌ، واشتقاقهُ من قَطَنَ من المكانِ إذا أقامَ به، فهذا الشَّجرُ يكون ورقهُ وساقهُ على وجهِ الأرض، فلذلك قِيْلَ: يَقْطِين، ومن خصائصِ شجرةِ القَرْعِ أنَّها لا يقربُها ذبابٌ، قالوا: فكان يستظلُّ بها من الشَّمسِ، وسخَّرَ اللهُ له وَعْلَةً بُكرَةً وَعَشِيّاً تختلفُ إليه، فكان يشربُ من لبَنِها حتى اشتدَّ لحمهُ ونبتَ شعرهُ. ثم أرسلَهُ اللهُ بعدَ ذلك وهو قولهُ: ﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾؛ وقال الحسنُ: (مَعْنَاهُ: بَلْ يَزِيدُونَ)، وقال الكلبيُّ: (مَعْنَاهُ: وَيَزِيدُونَ)، وكان الذين أُرسِلَ إليهم أهلُ نِينَوَى، كأنَّهُ أُرسِلَ قبلَ ما الْتَقَمَهُ الحوتُ إلى قومٍ، وبعدَ ما نبذهُ الحوتُ إلى قومٍ آخَرين.