قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ ﴾؛ معناهُ: وجِئتُكُمْ ﴿ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ ﴾ أي أتيتُ بالتوراةِ وأحكامِها وصَدَّقْتُهَا، وقيل: يعني بالتصديقِ أنَّ في التوراةِ البشارةَ بي، فإذا خرجتُ فقد صُدَّقْتُ ذلكَ، ولا يجوزُ أن يكون ﴿ ومُصَدِّقاً ﴾ عطفاً على ﴿ وَرَسُولاً ﴾ لأنه لو كان ذلكَ لقالَ ومصدِّقاً لِما بينَ يديهِ. قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾؛ لأنه كانَ في التوراةِ أشياءٌ مُحرَّمة حَلَّلَ عيسى بعضَها وهو العملُ في يومِ السبت؛ وشحومُ البقرِ والغنمِ وسائرِ ما حُرِّمَ عليهم بظُلْمِهِمْ. وقيل: معناها: ولأحلَّ لكم كلَّ الذي حَرَّم عليكُم أحبارُكم لا ما حرَّمَ أنبياؤُكم، ويكونُ البعضُ بمعنى الكلِّ، واستدلَّ صاحبُ هذا القولِ بقول لَبيْدٍ: تَرَّاكُ أمْكِنَةٌ إذا لَمْ أرْضَهَا   أوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَاقيلَ: معناهُ: كلُّ النفوسِ. وقال الزجَّاج: (لاَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الْبَعْضُ عِبَارَةً عَنِ الْكُلِّ؛ لأَنَّ بَعْضَ الشَّيْءِ جُزْءٌ مِنْهُ). قال: (وَمَعْنَى قَوْلِ لَبيْدٍ: أوْ مَا يَعْتَلِقُ نَفْسِي حِمَامُهَا؛ لأنَّ نَفْسَهُ بَعْضُ النُّفوسِ). وقرأ النخعِيُّ: (وَلاَُ حِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حَرُمَ عَلَيْكُمْ) أي صَارَ حَرَاماً. قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾؛ أي أحلُّ لكم شيئاً مِما حُرِّم عليكم من غير برهان، بل أتيتُكم بعلامةِ نُبُوَّتِي. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾؛ أي اتَّقُوا اللهَ فيما أمرَكم ونَهاكم وأطيعونِ فيما أبيِّنُه لكم؛ ﴿ إنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ ﴾؛ أي قالَ لَهم عيسَى إنَّ اللهَ خالِقي وخالقكم فوحِّدُوه؛ ﴿ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾؛ أي هذا الذي أدعُوكُم إليهِ طريقِي فِي الدِّين فلا عِوَجَ لَهُ، مَن سَلَكَهُ أدَّاهُ إلى الحقِّ.


الصفحة التالية
Icon