قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ ﴾؛ يعني القرآنَ، سُمي حَديثاً لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُحَدِّثُ به قومَهُ. وقوله: ﴿ كِتَابا ﴾؛ منصوب على البدل من أحسن الحديث. قولهُ: ﴿ مُّتَشَابِهاً ﴾؛ أي يُشبهُ بعضه بعضاً في كونهِ حكمةً ومصلحةً، وفي أنه حقٌّ لا تناقُضَ فيهِ. وقولهُ تعالى: ﴿ مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾؛ أي مُكَرِّرُ الأنباءِ والقصصِ للإبلاغِ والتأكيدِ، وتُثْنَى تلاوتهُ في الصَّلاةِ وفي غيرِها فلا يمل من سماعهِ. وقولهُ: ﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ خَوفاً مما في القرآنِ من الوعيدِ، ومعنى تَقْشَعِرُّ: تأخذُهم قَشْعَرِيرَةٌ وهي تغيُّر يحدثُ في جلدِ الإنسان عند الوجَلِ والخوفِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إذا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، تَحَاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا يَتَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ وَرَقُهَا "وقال الزجَّاجُ: (إذا ذُكِرَتْ آيَاتُ الْعَذاب اقْشَعَرَّتْ جُلُودُ الْخَائِفِينَ)، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:" إذا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الإنْسَانِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّار ". وعن عبدِالله بنِ عُروةَ قالَ: قُلْتُ لأَسْمَاءَ بنْتِ أبي بَكْرٍ رضي الله عنه: كَيْفَ كَانَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُونَ إذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ؟ قَالَتْ: (كَانُوا كَمَا نَعَتَهُمُ اللهُ تَعَالَى، تَدْمَعُ عُيُونُهُمْ وَتَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُهُمْ) فَقُلْتُ لَهَا: إنَّ نَاساً الْيَوْمَ إذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ خَرُّواْ مَغْشِيّاً عَلَيْهِمْ؟ قَالَتْ: (أعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ). ورُوي: أنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه مَرَّ برَجُلٍ مِنْ أهْلِ الْعِرَاقِ سَاقِطٍ فَقَالَ: (مَا بَالُ هَذا؟) فَقَالُواْ: إنَّهُ إذا قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَسَمِعَ ذِكْرَ اللهِ سَقَطَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه: (إنَّا لَنَخْشَى اللهَ وَلاَ نَسْقُطُ) وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: (إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَدْخُلُ فِي جَوْفِ أحَدِهِمْ! مَا كَانَ هَذا صُنْعَ أصْحَاب رَسُولِ اللهِ صلى لله عليه وسلم). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾؛ أي تسكنُ رعدَةُ أعضائِهم إذا سمعوا آياتِ الرَّحمة، وَقِيْلَ: تلينُ جلودُهم وقلوبُهم؛ أي تطمئنُّ وتسكنُ إلى ذكرِ الله للجنَّة والثواب. قال قتادةُ: (هَذَا نَعْتُ أوْلِيَاءِ اللهِ، وَصَفَهُمُ اللهُ بأَنْ تَقْشَعِرَّ جُلُودُهُمْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ إلَى ذِكْرِ اللهِ، وَلَمْ يَنْعَتْهُمْ بذهَاب عُقُولِهِمْ وَالْغِشْيَانِ عَلَيْهِمْ، إنَّمَا ذلِكَ فِي أهْلِ الْبدَعِ وَهُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ). وقولهُ تعالى: ﴿ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ ﴾؛ يعني أحسنَ الحديثِ وهو القرآنُ، هُدَى اللهُ يهديهِ.
﴿ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾.


الصفحة التالية
Icon