قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ ﴾؛ أي إنْ أعرضُوا عمَّا أتيتَ به من البيانِ؛ فإنَّ اللهَ عالِمٌ بالمفسدينَ الذين يعبدون غيرَ اللهِ ويدعُون الناسَ إلى عبادةِ غيرِ الله يُجازيهم على ذلكَ. ثم دعاهُم اللهُ إلى التوحيدِ فقالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ﴾؛ أي قُلْ لَهم يا مُحَمَّدُ: يَا أهْلَ الْكِتَاب هَلُمُّوا إلى كَلِمَةِ عَدْلٍ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ. وفي ﴿ سَوَآءٍ ﴾ ثلاثُ لغات: سَواءً وسِوى وسُوَا، ولا يُمَدُّ فيها إلاَّ المفتوحُ، قال اللهُ تعالى:﴿ مَكَاناً سُوًى ﴾[طه: ٥٨].
ثم فسَّرَ الكلمةَ فقال تعالى: ﴿ ألاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ ﴾ أحداً مِن المخلوقينَ، وموضع (أنْ) رفع على إضمار (هي). وقيلَ: موضُعها نُصب بنَزعِ الخافضِ، وقيل: موضعها خُفِضَ بدلاً من الكلمةِ؛ أي تَعالُوا إلى أنْ لاَ نَعْبُدَ إلاَّ اللهَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾؛ أي نرجِعُ إلى معبودِنا وهو اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لا شريكَ لهُ؛ وأنَّ عيسى بَشَرٌ كما أنَّنا بَشَرٌ فلا تتخذُوه رَبّاً، وسَمَّى اللهُ هذه الثلاثةَ الألفاظ كَلِمَةً لأنَّ معناها: نَرْجِعُ إلَى وَاحِدٍ، وهي كلمةُ العدلِ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ. قال بعضُ المفسِّرين: ولا يتَّخذَ بعضُنا بعضاً أربَاباً من دونِ الله كما فعلَتِ اليهودُ والنَّصارى؛ فإنَّهم اتَّخذوا أحبارَهم ورهبانَهم أرباباً من دونِ اللهِ؛ أي أطاعُوهم في معصيةِ الله. قال عكرمةُ: (هُوَ سُجُودُ بَعضِهِمْ لِبَعْضٍ)، وقيل: معناهُ: لا نطيعُ أحداً في المعاصِي، وفي الخبرِ:" مَنْ أطَاعَ مَخْلُوقاً فِي مَعْصِيَةِ اللهِ فَكَأنَّمَا سَجَدَ سَجْدَةً لِغَيْرِ اللهِ "قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾؛ أي فإن أبَوا التوحيدَ فقولوا اشهدُوا بأنَّا مُقِرُّونَ بالتوحيدِ مُسْلِمُونَ لِما أتانَا به الأنبياءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ من اللهِ تعالى.