قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ ﴾؛ أي حَذِّرهُم يومَ القيامةِ؛ والمعنى: يا مُحَمَّدُ أنْذِرْ أهلَ مكَّة يومَ الآزفَةِ، يعني القيامةَ، سُميت القيامةُ آزفَةً مِن الأزَفِ: وهو الأَمْرُ إذا قَرُبَ، والقيامةُ آزفةٌ لِسُرعَةِ مَجِيئِهَا. قال الزجَّاجُ: (قِيْلَ لَهَا: آزفَةٌ لأَنَّهَا قَرِيبَةٌ وَإن اسْتَبْعَدَهَا النَّاسُ، وَكُلُّ آتٍ فَهُوَ قَرِيبٌ).
﴿ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ﴾؛ أي تزولُ القلوبُ من مواضعِها من الخوفِ، فتشخَصُ صدورُهم حتى يبلغَ حاجِزَهم في الحلُوقِ، فلا هي تعودُ إلى أماكنِها ولا هي تخرجُ من أفواهِهم فيموتُوا فيستريحوا. وذلك أنَّ القلبَ بين فَلَقَتَي الرِّئة، فإذا انتفخَتِ الرِّئَةُ عند الفزَعِ رفعَتِ القلبَ حتى يبلُغَ الحنجرةَ، فيلصقُ بالحنجرةِ فلا يقدرُ صاحبه على أن يرُدَّهُ إلى مكانهِ، ولا على أن يلفُظَ به فيستريح. ونظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ ﴾[الأحزاب: ١٠]، وقولهُ تعالى:﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ ﴾[الواقعة: ٨٣] وقولهُ تعالى﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ ﴾[إبراهيم: ٤٣] وقولهُ تعالى:﴿ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ ﴾[القيامة: ٢٦].
وقولهُ تعالى: ﴿ كَاظِمِينَ ﴾ أي مَغمُومِينَ مكرُوبينَ مُمتَلِئين غَمّاً وخَوفاً وحُزناً، يعني أصحابَ القُلوب يتردَّدُ حُزْنُهم وحسراتُهم في أجوافِهم، والكَاظِمُ: هو الممتلِيءُ أسَفاً وغَيظاً، والكَظْمُ تردُّدُ الغيظِ والحزنِ والخوف في القلب حتى يضيقَ به، نصبَ (كَاظِمِينَ) على الحالِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾؛ أي ما لَهم مِن قريبٍ ينفعُهم ولا شفيعٍ يطاعُ الشفيع فيهم فتُقبَلَ شفاعتهُ.