قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ﴾؛ أي كما أوْحَينَا إلى الرُّسُلِ من قبلِكَ أوحَينا إليك جبريلَ بالقُرآنِ الذي " فيه " حياةُ القلوب من الجهلِ. ومِن هذا سُمِّي القرآنُ رُوحاً؛ لأنه سببُ حياةِ الدِّين، كما أنَّ الروحَ سببُ حياةِ الجسد. وقال مقاتلُ: (مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿ رُوحاً ﴾ يَعْنِي الْوَحْيَ) وَهُوَ الْقُرْآنُ؛ لأَنَّهُ يُهْتَدَى بهِ، فَفِيهِ حَيَاةٌ مِنْ مَوْتِ الْكُفْرِ. وقولهُ ﴿ مِّنْ أَمْرِنَا ﴾، وَقِيْلَ: إنَّ الروحَ ها هنا جبريلُ. وقولهُ: ﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ ﴾؛ أي ما كنتَ تدري قبلَ الوحيِ ما الكتابُ ولا ما الإيمانُ؛ قيل: لأنه كان لا يعرِفُ القرآنَ قبلَ الوحي، ولا كان يعرفُ بشرائعِ الإيمان ومعالِمه، وهي كلُّها إيمانٌ، وهذا اختيارُ الإمامِ محمَّد بن جرير، واحتجَّ بقولهِ﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾[البقرة: ١٤٣] يعني الصَّلاةَ سَمَّاها إيْماناً. وَقِيْلَ: معناهُ: ما كُنتَ تدري ما الإيمانُ قبلَ البلوغِ، يعني حين كان طِفْلاً في الْمَهْدِ. وقال الحسينُ بن الفضلِ: (هَذا مِنْ بَاب حَذْفِ الْمُضَافِ؛ مَعْنَاهُ: " أيْ مَا كُنْتَ تَدْري مَا الْكِتَابُ " ولا أهْلِ الإيْمَانِ " أيْ " مَنِ الَّذِي يُؤْمِنُ وَمَنِ الَّذِي لاَ يُؤْمِنُ)، وَفِي الْجُمْلَةِ لَمْ يَكُنِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْكُفْرِ قَطُّ، وَإنَّهُ كَانَ عَلَى فِطْرَةِ الإسْلاَمِ حِينَ وُلِدَ، وَكَذلِكَ جَمِيعُ أنْبيَاءِ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْوَحْيِ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم يَعْبُدُ اللهَ قَبْلَ الْوَحْيِ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً ﴾؛ يعني الوحيَ ودليلاً على الإيمانِ والتوحيد.
﴿ نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾؛ إلى دينِ الحقِّ.
﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾؛ أي لتَدعُو الخلقَ كلَّهم بوَحينا إليك إلى طريقٍ قائمٍ يرضاهُ اللهُ وهو الإسلامُ. وقولهُ تعالى: ﴿ صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾؛ خُفِضَ على البدلِ، وقولهُ تعالى: ﴿ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ ﴾؛ أي إليه ترجعُ عواقِبُ الأمُور في الآخرةِ.