قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً ﴾؛ معناهُ: ووَصَفُوا الملائكةَ الذين هم عبادُ الرحمنِ أنَّهم بناتُ اللهِ، وقرئ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ) وكلٌّ صوابٌ، وقد جاءَ القرآنُ بالأمرَين معاً، وذلك قولهُ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾[الأنبياء: ٢٦] وقولهُ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ﴾[الأعراف: ٢٠٦]، وفي قولهِ تعالى (عَبْدُ الرَّحْمَنِ) دلالةٌ على رفعِ المنْزِلة والقُربَةِ من الكرامةِ. وقولهُ تعالى: ﴿ أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ ﴾؛ معناهُ: أحَضَرُوا عندَ خَلقِهم فعَلمُوا ذلك، والشهادةُ ها هنا من الحضور، ووبَّخَهم اللهُ على ما قالوا ما لَم يُشاهِدُوهُ. وقرأ نافعُ: (أشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ) بهمزة الاستفهامِ وتخفيف الهمزةِ الثانية على معنى أحَضَرُوا وعَايَنُوا خَلقَهُم حتى عَلِموا أنَّهم أناثٌ، وهكذا كقوله﴿ أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴾[الصافات: ١٥٠].
قال ابنُ عبَّاس: (يُرِيدُ: أحَضَرُواْ وَعَايَنُواْ خَلْقَهُمْ؟)، قال الكلبيُّ:" لَمَّا قَالُواْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ سَأَلَهُمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقًَالَ: " مَا يُدْرِيكُمْ أنَّهُمْ إنَاثٌ؟ " قَالُواْ: سَمِعْنَا مِنْ آبَائِنَا وَنَحْنُ نَشْهَدُ أنَّهُمْ لَمْ يَكْذِبُواْ أنَّهُمْ إنَاثٌ "فقالَ اللهُ: ﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾؛ عنها في الآخرةِ.


الصفحة التالية
Icon