قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾؛ أي قال كفَّارُ مكَّة: هلاَّ نُزِّلَ هذا القرآنُ على رجلٍ من القَريتَينِ مكَّة والطائف، وعَنَوا بالرَّجُلين إما الوليدَ بنَ المغيرةِ من مكَّة، وإما أبا مسعودٍ الثقفيِّ من الطائفِ، ظَنُّوا بجهلِهم أنَّ استحقاقَ النبوَّة إنما يكون بشَرفِ الدُّنيا مع اعترافِهم بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مِن أرفعِهم نَسباً. فقالَ اللهُ تعالى ردّاً عليهم وإنكاراً لِمَا قالوا: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ﴾؛ يعني النبوَّةَ التي هي مِن أعظمِ النِّعَمِ، وذلك أنَّهم اعترَضُوا على اللهِ بقولِهم: لِمَ لَمْ ينْزِل هذا القرآنُ على غيرِ مُحَمَّدٍ، فَبَيَّنَ اللهُ تعالى أنه الذي يقسِمُ النبوَّةَ لا غيرهُ. قال مقاتلُ: (يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أبأَيْدِيهِمْ مَفَاتِيحُ الرِّسَالَةِ فَيَضَعُونَهَا حَيْثُ شَاؤُا). فبيَّن اللهُ تعالى أنه لَمْ يجعَلْ أمرَ معايشِهم مع قلَّةِ خطرِ ذلك إلى رأيهم، بل رفعَ بعضَهم فوقَ بعضٍ في الرِّزقِ، وتلقاه شذ على ما تُوجبهُ الحكمةُ، فقال تعالى: ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾؛ أي قسَمنا الرزقَ في المعيشةِ، وليس لأحدٍ أن يتحكَّمَ في شيءٍ من ذلك، فكيف نجعلُ أمرَ النبوَّة مع عِظَمِ قَدرهِ ورفعةِ شأنه إلى رأيهم، قال قتادةُ في معنى (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ): (تَلْقَى الرَّجُلَ ضَعِيفَ الْحِيلَةِ عَيَّ اللِّسَانِ وَهُوَ مَبْسُوطٌ فِي الرِّزْقِ، وَتَلْقَاهُ شَدِيدَ الْحِيلَةِ بَسِطَ اللِّسَانِ وَهُوَ مُقَتَّرٌ عَلَيْهِ). وقولهُ تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾؛ يعني الفضل في الغنى والمال ﴿ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ﴾؛ أي ليستخدِمَ بعضُهم بعضاً، فيُسخِّر الأغنياءُ بأموالهم الفقراءَ لِيلتَئِمَ قِوَامُ أمرِ العالَم، وقال قتادةُ: (لِيَمْلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَيَتَّخِذُونَهُمْ عَبيداً وَمََمَالِيكَ). والسِّخْرِيُّ بالكسرِ مِن الاستهزاءِ، وبالضَّم من التسخيرِ. وقولهُ تعالى: ﴿ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾؛ أي وما خصَّكَ اللهُ به من النبوَّةِ خيرٌ لكَ مما يجمَعُون من المالِ. وَقِيْلَ: معناهُ: ورحمةُ ربكَ يعني الجنَّةَ للمؤمنين خيرٌ مما يجمَعُ الكفَّارُ من الأموالِ.