قولهُ تعالى: ﴿ أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ﴾؛ أي بأَنْ أدُّوا إلَيَّ بني إسرائيلَ، وهذا قولُ موسَى، يقولُ: أطلِقُوا بني إسرائيلَ من العذاب والتسخيرِ، فإنَّهم أحرارٌ.
﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ ﴾؛ من اللهِ.
﴿ أَمِينٌ ﴾؛ على الرسالةِ، لستُ بخائنٍ ولا كذابٍ ولا كاتِمٍ مما أُوحِيَ إلَيَّّ.
﴿ وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾؛ أي لا تتجبَّرُوا عليه بتركِ طاعته.
﴿ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾؛ بحجَّةٍ بَيِّنَةٍ ظاهرةٍ تدلُّ على صِدقِي. فلمَّا قالَ موسى هذه المقالةَ توعَّدُوهُ بالقتلِ بالحجارةِ، فقال: ﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ﴾، أي اعتصمتُ بخالقي وخالقكم من أن تقتلوني بالحجارة.
﴿ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ ﴾؛ أي وإنْ لَم تصَدِّقونِ فاترُكونِي لا معِي ولا عليَّ، فلا أقلَّ مِن أن تَكُفُّوا شرَّكُم عنِّي. فأَبَوا أن يقبَلُوا منه، ولم يؤمنوا به.
﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ ﴾؛ أي مُشرِكون، ولم يَدْعُ إلاَّ بعد أنْ أُذِنَ له في الدُّعاء عليهم، فدعا عليهم. قَالَ اللهُ تَعَالَى له: ﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً ﴾؛ حتى تَقْطَعَ بهمُ البحرَ.
﴿ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴾؛ يتبعكم فرعونُ وقومهُ فيكون ذلك سَبباً لغَرقِهم، فسارَ موسَى بمَن معَهُ من بني إسرائيلَ حتى أتَى بهم البحرَ، فضربَهُ بعصاهُ بأمرِ الله تعالى فانفلَقَ ودخلَهُ أصحابهُ. ثُم عطَفَ موسَى ليضرِبَ البحرَ بعصاهُ ليَلتَئِمَ ويخلطَ الطريقَ التي جعلَها اللهُ لبني إسرائيل حتى لا يعبُرَ فيها فرعونُ وقومه، فقيلَ له: ﴿ وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً ﴾؛ أي سَاكِناً مُنفَتِحاً على ما هو عليه حتى يدخلَهُ فرعونُ وجنوده.
﴿ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ﴾؛ في حُكمِ اللهِ تعالى. قال ابنُ عبَّاس: (مَعْنَى قَوْلِهِ اتْرُكْهُ رَهْواً؛ أي اتْرُكْهُ طَرِيقاً). والرَّهْوُ: يكون بمعنى الفُرْجَةِ بين الشَّيئين، ونظرَ أعرابيٌّ إلى فَالِجٍ؛ فقالَ: سُبحان اللهِ! رَهُوٌ بين سِنَامَين، فيكونُ المعنى على هذا: واترُكِ البحرَ ذا رَهْوٍ؛ أي ذا فُرجَةٍ، وهي الطريقُ التي أظهرَها اللهُ تعالى في الماءِ.