قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾؛ قِيْلَ: إنَّ هذه الآيةَ نزلَتْ في ثلاثِ نَفَرٍ من المشرِكين؛ وهم عُتبَةُ وشَيبَةُ والوَلِيدُ بنُ عُتبَةَ، بارَزُوا علِيّاً وحمزةَ وعبيدةَ بن الحارث رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يومَ بدرٍ، كانوا يقُولون لَهم: لئِنْ كان مُحَمَّدٌ حقّاً في الآخرةِ لتَفضَّلَ عليكم في الآخرةِ كما فضَّلَنا عليكم في الدُّنيا. ومعنى الآيةِ: أحَسِبَ الذين ﴿ ٱجْتَرَحُواْ ﴾ اكتسَبُوا ﴿ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾ المعاصِي ﴿ أَن نَّجْعَلَهُمْ ﴾ فِي الآخرةِ ﴿ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم والقُرآنِ ﴿ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ من الصَّلاة والزكاةِ. وتَمَّ الكلامُ، ثم قالَ: ﴿ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾، ارتفعَ (سَوَاءٌ) على أنه خبرُ مبتدأ مقدَّمٍ، تقديرهُ: محياهُم ومماتُهم سواءٌ، والضميرُ فيهما يعودُ إلى القبيلتين المؤمنين والكافرين، يقولُ المؤمِنُ مؤمنٌ في محياهُ ومؤمنٌ في مماتهِ، والكافرُ كافرٌ في حياتهِ ومماتهِ. والمعنى: إنَّ المؤمن يموتُ على إيمانهِ ويُبعَثُ عليه، والكافرُ يموت على كُفرهِ ويبعَثُ عليه، يريد مَحيَا القبيلتَين ومَماتَهم سواءٌ. ومَن قرأ (سَوَاءً) بالنصب جعلَهُ مفعولاً ثانياً، فجعلَهُ على تقديرِ: فجعلَ محيَاهم ومماتَهم سواءً، يعني أحَسِبُوا أنَّ حياتَهم وموتَهم كحياةِ المؤمنين وموتِهم؛ كَلاّ؛ وقولهُ تعالى: ﴿ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾؛ أي بئْسَ ما يَقضُونَ حين يرَون أنَّ لهم في الآخرةِ ما للمؤمنين.
﴿ وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾.