قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ ﴾؛ يعني بيعةَ الرُّضوانِ بالحديبيةِ، وإنما سُميت بيعةُ الرضوانِ بهذه الآية، وكان سببُ هذه البيعةِ:" أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سَارَ يُرِيدُ مَكَّةَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْحُدَيْبيَةَ وَقَفَتْ نَاقَتُهُ، فَزَجَرَهَا فَلَمْ تَنْزَجِرْ وَبَرَكَتْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا هَذا بعَادَةٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابسُ الفِيْلِ ". وَدَعَا عُمَرَ رضي الله عنه لِيُرْسِلَهُ إلَى أهْلِ مَكَّةَ، فَيَأْذنُوا لَهُ بأَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ وَيُحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَيَنْحَرَ هَدْيَهُ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا لِي بهَا حَمِيمٌ وَلَيْسَ بمَكَّةَ مِنْ بَنِي عَدِيُّ بْنُ كَعْبٍ يَمْنَعُنِي، وَإنِّي أخَافُ قُرَيْشَ عَلَى نَفْسِي لأَنَّهَا قَدْ عَلِمَتْ عَدَاوَتِي إيَّاهَا، وَلَكِنْ أدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ أعَزُّ بهَا مِنِّي عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ، قالَ: " صَدَقْتَ ". فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ بْنُ عَفَّانٍ فَأَرْسَلَهُ. فَجَاءَ الشَّيْطَانُ وَصَاحَ فِي عَسْكَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بأَنَّ أهْلَ مَكَّة قَتَلُواْ عُثْمَانَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الشَّجَرَةِ فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا، وَبَايَعَ النَّاسَ عَلَى قِتَالِ أهْلِ مَكَّةَ. قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ مَعْقِلٍ: كُنْتُ قَائِماً عَلَى رَأسِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذلِكَ الْيَوْمَ، وَبيَدِي غُصْنٌ مِنَ الشَّجَرَةِ أذبُّ بهِ عَنْهُ وَهُوَ يُبَايعُ النَّاسَ، كَانَ أوَّلُ مَنْ بَايَعَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أسَدٍ يُقَالُ لَهُ أبُو سِنَانِ بْنِ وَهَبٍ ". واختلَفُوا في عددِ أهلِ البيعة، فقال قتادةُ: (كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً)، وقال ابنُ عبَّاس: (كَانُوا ألْفاً وَخَمْسَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ)، وقال جابرُ: (كَانُوا ألفاً وَأرْبَعَمِائَةٍ). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ﴾؛ أي فعَلِمَ اللهُ ما في قلوبهم من الصِّدق والوفاءِ والإخلاصِ والعزمِ على القتال.
﴿ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ﴾؛ يعني الطُّمَأنِينَةَ والصبرَ والرضا حين بايَعُوا على أن يُقاتِلوا ولا يفِرُّوا.
﴿ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ﴾؛ أي وأعطَاهم فتحَ خيبرَ.