قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ ﴾؛ أي ولا تكونُوا كاليهودِ والنصارى الذين اختلفُوا فيما بينَهم وصارُوا فِرَقاً وشِيَعاً.
﴿ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ ﴾ الكتابُ في أمرِ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾؛ على تفرِيقِهم واختلافِهم. قالَ بعضُهم: لاَ تَكُونُوا كالَّذِيْنَ تفرَّقوا واختلفُوا، قال: وهُمُ الْمُبْتَدِعَةُ من هذه الأُمَّة. ثم بَيَّنَ اللهُ تعالى وقتَ العذاب العظيم الذي يصيبُهم؛ فقالَ تعالى: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾؛ معناهُ: ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ وهو يومُ القيامةِ، وانتصبَ على الظَّرف أي فِي يومِ. قرأ يحيى بن وثَّاب: (تِبْيَضُّ) (وَتِسْوَدُّ) بكسرِ التَّاء على لُغة تَميم. وقرأ الزهريُّ (تَبْيَاضُّ) و (تَسْوَادُّ). ومعنى الآيةِ: تَبْيَضُّ وجوهُ المخلصينَ للهِ بالتوحيدِ؛ أي تُشْرِقُ فتصيرُ كالثَّلج بَيَاضاً والشَّمس ضياءً، وَتَسْوَدُّ وجوهُ الكفَّار والمنافقين من الْحُزْنِ حين يُدْعَوْنَ إلى السُّجودِ فلا يستطيعونَ. وعن ابنِ عبَّاس قال: (مَعْنَاهُ: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهُ أهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أهْلِ الْبدْعَةِ). وقال بعضُهم: البياضُ مِنَ الوجوهِ إشْرَاقُهَا وَاسْتِبْشَارُهَا وسُرُورُهَا بعمَلِها وبثواب الله، وَاسْوِدَادُهَا لِحُزْنِهَا وَكَآبَتِهَا وكُسُوفِهَا بعمَلِهَا وبعقاب ربها. قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾؛ جوابهُ محذوفٌ؛ أي يقالُ لَهُم: ﴿ أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيْمَانِكُمْ ﴾ قيلَ: هم قومٌ من أهلِ الكتاب كانوا مصدِّقين بأنبيائِهم مصدِّقينَ بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يُبعث، فلما بُعِثَ كَفَرُوا به، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾.
وقيلَ: هم مَن كفرَ باللهِ يومَ الميثاقِ حين أْخُرِجُواْ من صُلْب آدَمَ عليه السلام. وقيل: هُمُ الخوارجُ وأهلُ البدَعِ كلِّها، وقيل: هم أهْلُ الرَّدَّةِ.