قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ﴾؛ من آياتِ الله، قرأ عليٌّ وابنُ مسعود وابن عبَّاس وعائشة ومسروق والنخعيّ وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب: (أفَتَمْرُونَهُ) بفتح التاءِ من غير ألفٍ على معنى أفَتَجْحَدُونَهُ، تقولُ العربُ: مَرَيْتَ الرَّجُلَ حَقَّهُ إذا جَحَدْتَهُ. وقرأ سعيدُ بن جبير وطلحة وابن مصرف (أفَتُمْرُونَهُ) بضمِّ التاءِ من غير ألفٍ؛ أي تُشَكِّكُونَهُ. وقرأ الباقون (أفَتُمَارُونَهُ) أي أفَتُجَادِلُونَهُ. وفي الحديثِ:" لاَ تُمَارُوا في الْقُرْآنِ، فَإنَّ الْمِرَاءَ فِيْهِ كُفْرٌ ". وعن الشعبيِّ عن عبدِالله بن الحارث قال: (اجْتَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَعْبٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أمَّا نَحْنُ بَنُو هَاشِمٍ فَنَقُولُ: إنَّ مُحَمَّداً رَأى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أتَعْجَبُونَ أنْ تَكُونَ الْخُلَّةُ لإبْرَاهِيمَ وَالْكَلاَمُ لِمُوسَى وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم). وقال الشعبيُّ: (فَأَخْبَرَنِي مَسْرُوقُ أنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: يا أُمَّاهُ؛ هَلْ رَأى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَطْ؟ قَالَتْ: إنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلاً لَيَقِفُ مِنْهُ شَعْرِي، قَالَ: قُلْتُ: رُوَيْداً فَقَرَأ عَلَيْهَا﴿ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ... ﴾[النجم: ١] إلَى قَوْلِهِ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ﴾[النجم: ٩].
فَقَالَتْ: أيْنَ يَذْهَبُ بكَ! إنَّمَا رَأى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ، مَنْ حَدَّثَكَ ِأنَّ مُحَمَّداً رَأى رَبَّهُ فَقَدْ كَذبَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ ﴾[الأنعام: ١٠٣].
وفي الرؤية قالَتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (مَنْ زَعَمَ أنَّ مُحَمَّداً رَأى رَبَّهُ فَقَدْ أعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ حَدَّثَكَ أنَّهُُ يَعْلَمُ الْخَمْسَ مِنَ الْغَيْب فَقَدْ كَذبَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ ﴾[لقمان: ٣٤]، وَمَنْ حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّداً كَتَمَ شَيْئاً مِنَ الْوَحْيِ فَقَدْ كَذبَ)، قال عبدُالرزاق: (فَذكَرْتُ هَذا الْحَدِيثَ لِمَُعَمَّرٍ فَقَالَ: مَا عَائِشَةُ عِنْدَنَا بأَعْلَمَ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ).