قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قَالَ يَآءَادَمُ ﴾؛ الأدَمَةُ: لونٌ مُشْرَبٌّ بسَوادٍ؛ وَقِيلَ: هي كلُّ لونٍ يشبهُ لونَ التُّراب؛ فلما ظهرَ عجزُ الملائكةِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ؛ ﴿ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ ﴾؛ أي أخبرْهُم بأسمائِهم؛ فسمَّى كلَّ شيء باسمهِ وألْحَقَ كلَّ شيء بجنسهِ.
﴿ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ ﴾، اللهُ: ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ ﴾، يا مَلائِكَتي.
﴿ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾، وما كان فيها وما يكونُ.
﴿ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ﴾، من الخضوعِ والطَّاعة لآدم.
﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾؛ في أنفُسِكم له من العداوةِ؛ وَقِيْلَ: ما تُبدونَ من الإقرار بالعجزِ والاعتذار وما كنتم تَكتُمُونَ من الكراهةِ في استخلافِ آدمَ عليه السلام. وَقِيْلَ: معناهُ: أعْلَمُ ما أظهرتُم من الطاعةِ وما أضمرَ إبليسُ من المعصيةِ لله تعالى في الأمرِ بالطاعة لآدمَ عليه السلام؛ وذلك أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا صوَّرَ آدم ورآهُ إبليسُ قال للملائكةِ الذينَ معه: أرأيتُم هذا الذي لَم تَرَوا مِن الخلائقِ مثلَهُ إن أمرَكم اللهًُ بطاعتهِ ماذا تصنَعُون؟ قالوا: نطيعُ. وأضمرَ الخبيثُ في نفسهِ أنه لا يطيعُ. وَقِيْلَ: معناهُ: ﴿ أَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ﴾ يعني قولَهم:﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ﴾[البقرة: ٣٠].
﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ يعني قولَهم: لن يخلق الله خلقاً أفضل ولا أكرمَ ولا أعلمَ عليه مِنَّا. فإن قِيْلَ في قولهِ تعالى:﴿ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ ﴾[البقرة: ٣١] أمرُ تكليفِ ما لا يطاقُ؛ فهل يجوزُ تكليف ما لا يطاقُ؟ قُلْنَا: الصحيحُ أنه ليس بتكليفٍ. وهذا كمَن يُلقِي المسألةَ على مَن يتعلَّم منهُ، فيقول: أخبرنِي بجواب هذه المسألةِ؟ ولا يريدُ بذلكَ أن يأمرَهُ بجوابها؛ لأنه يعلمُ أنه لا يعرفهُ. بل يقصدُ أن يقررَ عليه أنه لا يعرفُ جوابَها؛ ليكون أشدَّ حرصاً على تعلُّم تلك المسألة.


الصفحة التالية
Icon