قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾؛ أي لا يستغنِي عنهُ أهلُ السَّماء ولا أهلُ الأرضِ، قال أبو صالح: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ الرَّحْمَةَ، وَيَسْأَلُهُ مَنْ فِي الأَرْضِ الْمَغْفِرَةَ وَالرِّزْقَ، وَالْكُلُّ يَلْجَأُونَ إلَيْهِ وَيَسْأَلُونَهُ حَوَائِجَهُمْ). وقوله تعالى: ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾؛ قال المفسِّرون: مِن شأنهِ أنه يُحيي ويُميتُ، ويرزُقَ، ويُعِزَّ ويُذِلَّ، ويُشفي مريضاً، ويجيبُ داعياً، ويعطِي سائلاً، ويغفِرُ ذنباً، ويكشِفُ كَرْباً إلى ما لا يُحصَى من أفعالهِ وإحداثهِ في خلقهِ ما شاءَ. وعن أبي الدَّرداءَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ قالَ فِي قَوْلِهِ ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ قَالَ:" مِنْ شَأْنِهِ أنْ يَغْفِرَ ذنْباً وَيُفَرِّجَ كَرْباً وَيَرْفَعَ قَوْماً وَيَضَعَ آخَرِينَ ". وقال مجاهدُ: (هُوَ مِنْ شَأْنِهِ أنَّهُ يُجِيبُ دُعَاءَنَا، وَيُعْطِي سَائِلَنَا، وَيُشْفِي سَقِيمَنَا، وَيَغْفِرُ ذُنُوبَنَا وَيَتُوبُ عَلَى قًوْمٍ، وَيُشْقِي آخَرِينَ). وَقِيْلَ: شأنهُ يخرِجُ كلَّ يوم وليلة ثلاثة عساكرَ: عسكراً من أصلاب الآباءِ إلى الأرحامِ، وعسكراً من الأرحامِ إلى الدُّنيا، وعسكراً من الدنيا إلى القبور، ثم يرحَلون جميعاً إلى الله عَزَّ وَجَلَّ. وحُكي: أنَّ بعضَ الملوكِ سألَ وزيرَهُ عن معنى هذه الآيةِ، فاستمهلَهُ إلى الغدِ، ورجعَ الوزيرُ إلى دارهِ كَئيباً لم يعرِفْ ما يقولُ: فقالَ له غلامٌ أسودُ من غِلمَانِهِ: يا مولايَ ما أصابَكَ؟ فزجرَهُ، فقالَ: يا مولاي أخبرْني فلعلَّ اللهَ يُسهِّلُ لك الفرجَ على يديَّ، فأخبرَهُ بذلك، فقالَ: عُدْ إلى الملكِ فقل له: إنَّ لي غُلاماً أسودَ إنْ أذِنْتَ له فسَّرَ لكَ هذه الآيةَ، ففعلَ ذلكَ. فدعَا الملكُ الغلامَ فسألَهُ عن ذلك، فقالَ: أيُّها الملِكُ؛ شأنُ اللهِ تعالى أنه يولِجُ الليلَ في النهار ويولِجُ النهارَ في الليلِ، ويُخرِجُ الحيَّ من الميِّت، ويخرجُ الميتَ من الحيِّ، ويُشفِي مَريضاً ويُسقِمُ سَليماً، ويَبتَلِي معافًى، ويُعافِي مُبتَلِياً، ويذِلُّ عزيزاً ويُعِزُّ ذليلاً. فقال له الملكُ: أحسنتَ يا غلامُ فرَّجتَ عني. ثم أمرَ الوزيرَ فخلعَ ثيابَ الوزراء فكسَاها الغلامَ، فقال: يا مولاي هذا شأنُ اللهِ تعالى: ﴿ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾.