قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ ﴾؛ أي يرسِلُ على مَن استحقَّ منكما بمعاصيهِ لهبٌ من النار، والشُّوَاظُ: اللهبُ الذي لا دخانَ فيه. وقرأ ابنُ كثير (شِوَاظٌ) بكسر الشين وهي لغةُ أهلِ مكة، قال حسانُ يهجو أُميَّة بن أبي الصَّلت: هَجَوْتُكَ فَاخْتَضَعْتَ لَهَا بذُلٍّ   بقَافِيَةٍ تَأَجَّجُ كَالشُّوَاظِقَوْلُهَ تَعَالَى: ﴿ وَنُحَاسٌ ﴾؛ قرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرو: (وَنُحَاسٍ) بالخفض عَطفاً على النار، وقرأ الباقون بالرفعِ عطفاً على الشُّواظ. واختلَفوا في معنى النُّحاسِ، قال ابنُ عبَّاس: (هُوَ الدُّخانُ) وأكثرُ القراءةِ فيه بالرفعِ عَطفاً على (شُواظٌ)، والمعنى: يرسلُ عليكما شِوَاظٌ، ويرسل نحاسٌ؛ أي يرسِلُ هذا مرَّة وهذا مرَّةً، ويجوز أن يُرسَلا معاً من غيرِ أن يمتزجَ أحدُهما بالآخرِ. وَقِيْلَ: النحاسُ هو الصُّفْرُ المذابُ يُصَبُّ على رُؤوسِهم، وقال مقاتلُ: (هِيَ خَمْسَةُ أنْهَارٍ مِنْ صُفْرٍ مُذابٍ تَجْرِي عَلَى رُؤُوسِ أهْلِ النَّار)، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَلاَ تَنتَصِرَانِ ﴾؛ أي فلا تَمتَنِعَانِ عن ما يرادُ بكما. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؛ وجهُ إنعامِ الله تعالى علَينا في إنزالِ آيات الوعيدِ: أنه تعالى لَمَّا حذرَنا من العذاب بأبلَغِ أسباب التحذيرِ حتى نتَّقِي المعاصِي خوفاً من عذابهِ، ونرغَبُ في الطاعاتِ طَعماً في ثوابهِ، كان ذلك نعمةً منه علينا فلذلك قالَ تعالى ﴿ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾.


الصفحة التالية
Icon