﴿ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾؛" هذه الآياتُ نزلَت في خَوْلَةَ بنتِ ثعلبةَ، وهي امرأةٌ من الخزرجِ من بني عمرِو بن عوفٍ، وفي زوجِها أوسَ ابن الصَّامت، وَكَانَ أوْسُ بْنُ الصَّامِتِ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أخَوَيْن، وَكَانَتْ خَوْلَةُ حَسَنَةَ الْجِسْمِ، فَرَآهَا زَوْجُهَا سَاجِدَةً فِي صَلاَتِهَا، فَنَظَرَ إلَى عَجْزِهَا، فَلَمَّا فَرغَتْ مِنْ صَلاَتِهَا رَاوَدَهَا فَأَبَتْ، فَغَضِبَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَنَدِمَ بَعْدَ ذلِكَ عَلَى مَا قَالَ، وَكَانَ الظِّهَارُ طَلاَقاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَمَضَتْ خَوْلَةُ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ تَغْسِلُ رَأسَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ زَوْجِي أوْسُ بْنُ الصَّامِتِ تَزَوَّجَنِي وَأنَا شَابَّةٌ غَنِيَّةٌ ذاتُ مَالٍ وَأهلٍ، حَتَّى إذا أَكَلَ مَالِي وَأفْنَى شَبَابي وَتَفَرَّقَ أهْلِي وَكَبُرَ سِنِّي ظَاهَرَ مِنِّي، وَقَدْ نَدِمَ عَلَى ذلِكَ، فَهَلْ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللهِ يَجْمَعُنِي وَإيَّاهُ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا أرَاكِ إلاَّ قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ " فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ وَالَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مَا ذكَرَ طَلاَقاً، وَإنَّهُ أبُو وَلَدِي وَأحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " حَرُمْتِ عَلَيْهِ ". فَقَالَتْ: أشْكُوا اللهَ تَعَالَى. ثُمَّ جَعَلَتْ تُرَاجِعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: " حَرُمْتِ عَلَيْهِ " فَقَالَتْ: أشْكُوا إلَى اللهِ فَاقَتِي وَشِدَّةَ حَالِي. فَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَضَى الْوَحْيُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " ادْعِي زَوْجَكِ " فَتَلاَ عَلَيْهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ﴿ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ ". وروي:" أنَّ خَوْلَةَ لَمَّا أتَتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ أوْساً تَزَوَّجَنِي وَأنَا شَابَّةٌ مَرْغُوبٌ فِيَّ، فَلَمَّا خَلاَ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي وَنَثَرْتُ ذا بَطْنِي جَعَلَنِي عَلَيْهِ كَأُمِّهِ، ثُمَّ نَدِمَ عَلَى قَوْلِهِ، وَلِي مِنْهُ صِبْيَةٌ صِغَارٌ؛ إنْ ضَمَمْتَهُمْ إلَيْهِ ضَاعُواْ، وَإنْ ضَمَمْتَهُمْ إلَيَّ جَاعُوا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا عِنْدِي فِي أمْرِكِ شَيْءٌ " فَقَالَتْ: زَوْجِي وَابْنُ عَمِّي وَأبُو أوْلاَدِي وَأحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ أنْ يَخْدِمَ نَفْسَهُ، فَقَالَ: صلى الله عليه وسلم: " مَا أرَاكِ إلاَّ قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ ". فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ لاَ تَقُلْ ذلِكَ؛ إنَّهُ مَا ذكَرَ طَلاَقاً وَإنَّمَا قالَ كَلِمَةً، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا أُمِرْتُ فِي شَأْنِكِ بشَيْءٍ، وَإنْ نَزَلَ فِي شَأْنِكِ شَيْءٍ بَيَّنْتُهُ لَكِ " فَهَتَفَتْ وَبَكَتْ وَجَعَلَتْ تُرَاجِعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَتْ: اللَّهُمَّ إنِّي أشْكُو إلَيْكَ شِدَّةَ وَجْدِي وَمَا يَشُقُّ عَلَيَّ مِنْ فِرَاقِهِ، وَرَفَعَتْ يَدَهَا إلَى السَّمَاءِ تَدْعُو وَتَتَضَرَّعُ. فَبَيْنَمَا هِيَ كَذلِكَ، إذْ تَغَشَّى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْوَحْيُ، فَلَمَّا سَرَى عَنْهُ قَالَ: " يَا خَوْلَةُ قَدْ أنْزَلَ اللهُ فِيكِ وَفِي زَوْجِكِ الْقُرْآنَ " ثُمَّ تَلاَ ﴿ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ ". معناهُ: قد سمعَ اللهُ قولَ المرأةِ التي تُسائِلُكَ وتخاصمُكَ في أمرِ زوجِها، وترفعُ إلى الله ما بها من المكروهِ، واللهُ يسمَعُ تحاوُرَكما ومراجعتكما، إنَّ الله سميعٌ لمقالتِكما عليم بأمرِها وأمرِ زوجها، والتَّحَاوُرُ: تَرَاجُعُ الكلامِ. قَوْلُهُ تَعَالَ: ﴿ تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ وهو أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كلَّما قالَ لها" قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ "قالت: واللهِ ما ذكرَ طَلاقاً، فكان هذا جِدَالاً، وقولهُ تعالى ﴿ وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ وهو قولُها: أشْكُوا إلى اللهِ فاقَتي ووحدَتِي وإنَّ لي صبياناً صِغاراً إذا ضممتهم إليه ضاعُوا، وإذ ضممتهم إلَيَّ جَاعُوا.