قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ ﴾؛ نزَلت هذه الآيةُ في قومٍ من المنافقين كانوا يتوَلَّون اليهودَ وينقُلون أسرارَ المسلمين إليهم مُغَايَظَةً لَهم، ولم يكونوا من المؤمنين ولا من اليهودِ، وكانوا يَحلِفُون للمؤمنين بأنَّا مُؤمِنون مصَدِّقون، وهم يعلمون أنَّهم كَاذِبون في حلفِهم، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ ﴾ أي وَلا من اليهودِ.
﴿ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾؛ أنَّهم كَذبَةٌ. وقال السديُّ ومقاتلُ:" نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي عَبْدِاللهِ بْنِ نَبْتَلِ الْمُنَافِقُ، كَانَ يُجَالِسُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ حَدِيثَهُ إلَى الْيَهُودِ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ إذْ قَالَ: " يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ قَلْبُهُ قَلْبُ جَبَّارِ، وَيَنْظُرُ بعَيْنَي الشَّيْطَانِ " فَدَخَلَ عَبْدُاللهِ بْنُ نَبْتَل، وَكَانَ أزْرَقاً. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " عَلاَمَ سَبَبْتَنِي أنْتَ وَأصْحَابُكَ؟ " فَحَلَفَ باللهِ مَا فَعَلَ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " وَقَدْ فَعَلْتَ " فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بأَصْحَابهِ فَحَلَفُواْ باللهِ مَا سَبُّوهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ): ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ "﴿ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً ﴾؛ أي هَيَّأَ لهم عَذاباً شَديداً في قُبورهم.
﴿ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾؛ في الدُّنيا من مُوَالاةِ اليهودِ وكتمان الكُفرِ والحلف الكاذب مع العلمِ به.