قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾؛" نزَلت هذه الآيةُ في حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ، وذلك أنَّهُ كتبَ إلى أهلِ مكَّة: أنَّ مُحَمَّداً يُرِيدُ أنْ يَغْزُوَكُمْ فَاسْتَعِدُّوا لَهُ، فأعلمَ اللهُ تعالى نَبيَّهُ عليه السلام بذلكَ، فَقَالَ: صلى الله عليه وسلم: " مَا دَعَاكَ يَا حَاطِبُ إلَى مَا فَعَلْتَ؟ " فَقَالَ: أحْبَبْتُ أنْ أتَقَرَّبَ إلَى أهْلِ مَكَّةَ لِمَكَانِ عِيَالِي فِيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عِيَالِي ذابٌّ هُنَالِكَ. فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ ". ومعناها: لا تجدُ قوماً يصَدِّقون بوحدانيَّة اللهِ تعالى وبالعبثِ بعد الموت يُناصِحُون ويطلبُون مَوَدَّةَ مَن خالفَ اللهَ ورسولَهُ في الدِّين، ولو كانوا أقاربَهم في النَّسب، فإن البراءةَ واجبةٌ من المْحَادِّينَ للهِ. وسنذكرُ هذه القصَّة أولَ سورةِ الممتَحنة إنْ شاءَ اللهُ تعالى. أخبرَ اللهُ تعالى بهذه الآيةِ: أنَّ إيمانَ المؤمنين يَفسُد بمودَّةِ الكفَّار، وإنَّ مَن كان مُؤمناً لا يُوالِي مَن كفرَ، وإنْ كان أباهُ أو ابنَهُ أو أخاهُ أو أحداً من عَشيرتهِ. وعن عبدِاللهِ بن مسعودٍ في هذه الآية أنَّهُ قالَ: (قَتَلَ أبُو عُبَيْدَةُ أبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ)، فمعنى قولهِ ﴿ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ ﴾.
" وقوله ﴿ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ ﴾ يعني أبَا بكرٍ رضي الله عنه دعَا ابْنَهُ يَوْماً إلَى الْبرَاز وَقَالَ: (دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ أكِرُّ عَلَيْهِ) فقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَتِّعْنَا بنَفْسِكَ يَا أبَا بَكْرٍ، أمَا تَعْلَمُ أنَّكَ عِنْدِي بمَنْزِلَةِ سَمْعِي وَبَصَرِِي " ". وقوله تعالى: ﴿ أَوْ إِخْوَانَهُمْ ﴾ يعني مصعبَ بن عُمير قتلَ أخاهُ عبيدَ بن عُمير بأُحُد. وقولهُ تعالى: ﴿ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ يعني عمرَ رضي الله عنه قتلَ خالدَ العاصِي بن هشامِ بن المغيرة يومَ بدرٍ، وكذلك عليٌّ رضي الله عنه قتلَ شَيبَةَ بن ربيعةَ، وكذلك حمزَةُ رضي الله عنه قتلَ عُتبة. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ ﴾؛ يعني الذين لا يُوادُّون من حَادَّ اللهَ ورسولَهُ أثبتَ اللهُ في قلوبهم حُبَّ الإيمانِ كأَنَّهُ مكتوبٌ في قلوبهم ﴿ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ ﴾ أي قوَّاهم بنور الإيمانِ حتى اهتَدَوا للحقِّ وعَمِلُوا بِه. وَقِيْلَ: المرادُ بالرُّوحِ جبريل عليه السلام يُعِينُهم في كثيرٍ من المواطنِ. وَقِيْلَ: معناهُ: وأيَّدهم بنصرٍ منه في الدُّنيا على عدُوِّهم، لأنَّهم عَادَوا عشيرتَهم الكفار وقاتَلوهم، غضباً لله ولدينهِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾؛ ظاهرُ المعنى. وقولُه تعالى: ﴿ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾؛ بإخلاصِهم في التوحيدِ والطاعة، ورَضُوا عنه بما أعدَّ لهم من الثَّواب والكرامةِ في الآخرة. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾؛ أي يا أهلَ هذه القصَّة جندُ اللهِ وأولياؤهُ، ألاَ إنَّ جُنْدَ اللهِ همُ الفائزون بالبقاءِ الدائم والنعيمِ الْمُقيمِ.


الصفحة التالية
Icon