قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾؛ اختلفَ أهلُ اللغة في الفَيْءِ ما هُوَ؟ فقالَ بعضُهم: هو مما مَلَّكَهُ اللهُ المسلمين من أموالِ المشرِكين بغيرِ قتالٍ أو بقتالٍ، فالغنيمةُ فَيْءٌ والخراجُ فَيْءٌ. قال بعضُهم: الْغَنِيمَةُ اسمٌ لِمَا أخذهُ المسلمون من الكفَّار عُنوةً وقهراً، والفَيْءُ ما صالَحُوا عليهِ، فبيَّن اللهُ تعالى في هذه الآيةِ حُكمَ الفيءِ، فقالَ تعالى: ﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ ﴾ أي من غنائمِ قُرَى المدنيةِ في قريظةَ وبني النضير وفدَكٍ، فإنَّ ذلك خاصَّة للنبيِّ صلى الله عليه وسلم دون الغانِمين، وكان أمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك جَائزاً، فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصرِفُها بأمرِ الله تعالى إلى قرائب نفسه وفُقراءِ قَرَابَتهِ ويتامَى الناسِ عامَّة والمساكين عامَّة، يعني المحتاجِين وأبناءِ السَّبيل والفُقَراء المهاجرِين. واختلفَ العلماءُ في حُكمِ هذه الآيةِ، فقالَ بعضُهم: أرادَ بقولهِ ﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ ﴾ الغنائمَ التي يأخذُها المسلمون من أموالِ الكفَّار عُنوةً وغَلبةً، وكانت في بدءِ الإسلام لعامة الغانِمين المسلمين دون الغانِمين الْمُوجِفين عليها، ثم نَسَخَ اللهُ ذلك بقولهِ تعالى في سورة الأنفال﴿ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ﴾[الأنفال: ٤١] والآيةُ التي قبلَ هذه الآية في بيانِ حُكم أموالِ بني النضير خاصَّة، وهذه الآيةُ في بيان حُكمِ جلب الأموال التي أُصيبت بغيرِ قتالٍ ولم يوجَفْ عليها بالخيلِ والجمالِ. وقال آخَرُون: هما واحدٌ، والثانيةُ بيان قسمِ المالِ الذي ذكر اللهُ تعالى في هذه الآيةِ الأُولى، والغنائمُ كانت في بدءِ الإسلام لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم يصنَعُ بها ما يشاءُ، كما قال تعالى﴿ قُلِ ٱلأَنفَالُ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ ﴾[الأنفال: ١] ثم نُسِخَ ذلك بقوله﴿ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ ﴾[الأنفال: ٤١] الآيةُ، فجَعَلَ أربعةَ أخماسِها للغانِمين يُقسَمُ بينهم، وأما الْخُمْسُ الباقي فيقسمهُ على خمسةِ أسهُمٍ: سهمٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وسهمٌ لذوي القُربَى، وسهمٌ لليتَامَى، وسهمٌ للمساكين، وسهمٌ لبني السَّبيلَ. وقولهُ تعالى: ﴿ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُم ﴾؛ معناه: كَي لا يكون الفَيءُ مُتدَاولاً بين الأغنياءِ منكم، والفرقُ بين الدُّولَةِ والدَّوْلَةِ بفتحِ الدال عبارةٌ عن المدَّة من الاستيلاءِ والغَلبَةِ، والدُّولَةُ اسمٌ للشيءِ المتداوَل، والمعنى: كي لا يتداولهُ الأغنياءُ منكم، يكون لِهذا مرَّة ولهذا مرة، كما يُعمَلُ في الجاهليَّة، وكانوا إذا أخَذُوا غنيمةً أخذ الرئيسُ رُبعَها وهو الرِّبَاعُ، والأغنياءُ والرُّؤساء، وقال مقاتل: (كَيْ لاَ يَغْلِبَ الأَغْنِيَاءُ الْفُقَرَاءَ فَيَقْسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ). ثُم قالَ: ﴿ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ ﴾؛ من الفَيءِ والغنيمةِ.
﴿ فَخُذُوهُ ﴾؛ فهو حلالٌ لكم.
﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ ﴾؛ أي عن أخذهِ.
﴿ فَٱنتَهُواْ ﴾؛ وهذا نازلٌ في أمرِ الفيءِ، ثم هو عامٌّ في كلِّ ما أمَرَ اللهُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم ونَهى عنه، قال الحسنُ في قولهِ: ﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ﴾: (يَعْنِي مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنَ الْغَلُولِ). وقولهُ تعالى: ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾؛ معناهُ: اتَّقوا عذابَ اللهِ.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾؛ إذا عاقبَ فعقوبتهُ شديدةٌ.