قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ ﴾؛ يعني عبدَالله بنَ أُبَيٍّ وأصحابَهُ، ومعنى ﴿ نَافَقُواْ ﴾ أي أظهَرُوا خلافَ ما أضمَرُوا.
﴿ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ ﴾؛ وهم بنُو قريظةَ وبنو النضِير، سَمَّاهم إخوَانَهم لأنَّهم كفارٌ مثلَهم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ ﴾؛ أي لئن أخرِجتُم من دياركم؛ أي لغربة ﴿ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ﴾؛ أي لا نُسَاكِنُ مُحَمَّداً.
﴿ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً ﴾؛ ولا نطيعهُ على قتالِكم.
﴿ وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ ﴾؛ فإنْ قاتَلَكم مُحَمَّدٌ وأصحابهُ، لنُعاونَنَّكم عليه حتى تكون أيدِينا يَداً واحدةً في المقاتَلة حتى نغلِبَهم، وعَدُوهُمْ أنَّهم ينصرونَهم، فكذبَهم اللهُ في ذلك بقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ في مُقاتَلتِهم، وقد بانَ كذِبهُم في ما نزلَ ببني النَّضيرِ من الجلاءِ وفيما أصابَ بني قريظةَ من القتلِ. ثم ذكرَ اللهُ أنَّهم يُخلِفُونَهم ما وَعَدُوهم من الخروجِ والنصرِ، فقال تعالى: ﴿ لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ ﴾؛ فكان الأمرُ على ما ذكرَ اللهُ تعالى؛ لأنَّهم أُخرِجُوا من ديارهم فلم يخرُجْ معهم المنافقون، وقُوتِلُوا فلم يَنصُرونهم أظهرَ اللهُ كَذِبَهم وأبانَ صِدْقَ ما قَالَ اللهُ تَعَالَى. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾؛ معناهُ: ولئن قُدِّرَ وجودُ نصرِهم؛ لأن ما نفاهُ الله لا يجوزُ وجودهُ، قال الزجَّاجِيُّ: (مَعْنَاهُ: لَوْ قَصَدُوا نَصْرَ الْيَهُودِ لَوَلَّوا الأَدْبَارَ مَهْزُومِينَ). ﴿ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ يَعْنِي بَنِي النَّضير لا يُصِيرون مَنصُورين إذا انْهزَمَ ناصِرُوهم.