قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ ﴾؛ معناهُ: إنْ تَتُوبَا إلى اللهِ من إظهار الغَيرَةِ وإيذاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتعاوُنِ عليه.
﴿ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾؛ أي مَالَتْ إلى الإثمِ وعَدَلَتْ عن الحقِّ، وهو أنَّهما أحبَّتا ما كَرِهَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ﴾ أي تعَاوَنا عليه بالإيذاءِ وإظهار الغَيْرَةِ عليه من الجاريةِ.
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ ﴾؛ يتولَّى حِفْظَهُ ونَصرَهُ ودفعَ الأذيَّةِ عنهُ.
﴿ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ أبُو بكرٍ وعُمرُ يتولَّيانهِ وينصُرانهِ على مَن عاداهُ.
﴿ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾؛ أعوانهُ وأنصارهُ. وعن ابنِ عبِّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: (حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخطَّاب رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَأنَا أرَى فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا شَقَّ عَلَيْكَ مِنْ أمْرِ النِّسَاءِ؟ فَإنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإنَّ اللهَ مَعَكَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَأنَا وَأبُو بَكْرٍ وَالْمَؤْمِنُونَ مَعَكَ، وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ وَأحْمَدُ اللهَ بكَلاَمٍ، إلاَّ رَجَوْتُ أن يَكُونَ اللهُ يُصَدِّقُ قَوْلِي الَّذِي أقُولُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ ). وعن ابنِ عبَّاس قالَ: (سَأَلْتُ عُمَرَ رضي الله عنه فَقُلْتُ: يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأتَانِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَا عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ). ثُمَّ أخَذ عُمَرُ رضي الله عنه يَسُوقُ الْحَدِيثَ قَالَ: (كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قُوْماً نَغْلِبُ نِسَاءََنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْماً تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ، قَالَ: فَغَضِبْتُ عَلَى امْرَأتِي فَإذا هِيَ تُرَاجِعُنِي، فأَنْكَرْتُ أنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ: وَمَا يُنْكَرُ أنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللهِ إنَّ أزْوَاجَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: أتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَتَهْجُرُهُ إحْدَاكُنَّ الْيَوْمَ إلَى اللِّيْلِ؟ قَالَتْ نَعَمْ، قُلْتُ: أفَتَأْمَنُ إحْدَاكُنَّ أنْ يَغْضَبَ اللهُ لِغَضَب رَسُولِهِ فإذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ؟! لاَ تُرَاجِعِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ، وَلاَ يَغُرَّكِ إنْ كَانَتْ جَارَتَكِ هِيَ أوْسَمُ وَأحَبُّ إلَى رَسُولِ اللهِ مِنْكِ) يَعْنِي عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. قرأ أهلُ الكوفة (تَظَاهَرَا عَلَيْهِ) بالتخفيفِ، وقرأ الباقون بالتشديدِ.