قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾؛ أي على دِينٍ عظيمٍ لم أخلِقْ ديناً أحبَّ إلَيَّ، ولا أرضَى عندي منهُ، يعني الإسلامَ، ورُوي عن عكرمةَ عن ابنِ عبَّاس: (يَعْنِي الْقُرْآنَ) والمرادُ آدابُ القرآنِ كما أمرَ اللهُ به نبيَّهُ عليه السلام. وسُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ خُلُقِهِ، فَقَالَتْ لِلسَّائِلِ: (إقْرَأ الْعَشْرَ الَّتِي فِي أوَّلِِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَرَأهَا، فَقَالَتْ: تِلْكَ خُلُقُهُ). وَقِيْلَ: لَمَّا سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِهِ، قَالَتْ: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ، يَسْخَطُ لِسُخْطِهِ، وَيَرْضَى لِرِضَاهُ). ويقال:" إنَّ جبريلَ عليه السلام لَمَّا جاءَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ ﴾ قال: " أتَيْتُكَ يَا مُحَمَّدُ بمَكَارمِ الأَخْلاَقِ: أنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ "وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارمَ الأَخْلاَقِ، أدَّبَنِي رَبي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبي ". ويقال:" إنَّهُ صلى الله عليه وسلم احتملَ للهِ في البلاءِ إلى أنْ قالَ حين شُجَّ في وجههِ: " اللُّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ " فأنزلَ اللهُ تعالى ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ "قال الجنيد: (سَمَّى خُلُقَهُ عَظيماً لأنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَمٌّ سِوَى اللهِ تَعَالَى). وَقِيْلَ: إنه صلى الله عليه وسلم عاشَرَهم بخُلقهِ وزايَلهم بقلبهِ، كان ظاهرهُ مع الْخَلقِ وباطنهُ مع الحقِّ! وَقِيْلَ: سَمَّى خلقَهُ عظيماً لاحتمالِ مكارمِ الأخلاق فيه. وقالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (إنَّ الرَّجُلَ لَيُدْركُ بخُلُقِهِ دَرَجَةَ قَائِمِ اللَّيْلِ وَصَائِمِ النَّهَار)، وقالَ صلى الله عليه وسلم:" مَا مِنْ شَيْءٍ أثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ خُلُقٍِ حَسَنٍ "وقال صلى الله عليه وسلم:" إنَّ أحَبَّكُمْ إلَى اللهِ تَعَالَى أحَاسِنُكُمْ أخْلاَقاً، الْمُوَطِّئُونَ أكْنَافاً، الَّذِينَ يُؤْلَفُونَ وَيَأْلَفُونَ. وَأبْغَضُكُمْ إلَى اللهِ تَعَالَى الْمَشَّاءونَ بالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الإخْوَانِ، الْمُلْتَمِسُونَ لِلْعَثَرَاتِ ".


الصفحة التالية
Icon