قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ ﴾؛ أي عن يَمين النبيِّ صلى الله عليه وسلم وشِمالِهِ حِلَقاً حِلَقاً، وجماعةً جماعةً، وعصبةً عصبةً، والعِزِينُ: جماعةٌ في تَفْرِقَةٍ، واحدتُها عِزَةٌ، ونظيرُها ثُبَةٌ وَثِبينَ. وكان هؤلاءِ الكفَّار يقولون: إنْ كان أصحابُ مُحَمَّدٍ يدخُلون الجنةَ، فإنَّا ندخُلها قبلَهم، فقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ ﴾؛ لا يكون ذلك.
﴿ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ ﴾؛ أي مِن المقاذيرِ والأنجاسِ والنُّطَفِ والعَلَقِ، فأيُّ شيءٍ لَهم يدخُلون به الجنَّة، ومِن حُكمِنا في بني آدمَ أن لاَ يدخُلَ أحدٌ منهم الجنَّة إلاّ بالإيمانِ والعمل الصالحِ، فماذا يُطمِعُهم في ذلك وهم كفَّار؟ وفي هذا تنبيهٌ على أنَّ الناسَ كلَّهم من أصلٍ واحد، وإنما يتفَاضَلُون بالإيمانِ والطاعة. قرأ الحسنُ وطلحة (يَدْخُلَ) بفتح الياء وضمِّ الخاء، ومعنى: إنَّا خلَقناهم مما يعلَمُون، يعني لا يستوجبُ أحدٌ الجنَّةَ بكونه شَريفاً، فإنَّ مادةَ الخلقِ واحدةٌ، بل يَستَوجِبُونَها بالطاعةِ. قال قتادةُ في هذه الآيةِ: (إنَّمَا خُلِقْتَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ قَذرٍ فَاتَقِ اللهَ). قال بعضُهم: أنَّى لابنِ آدمَ الكِبَرُ؛ وقد خرجَ من مخرجِ البول مرَّتين، ثم مِن بطنِ أُمِّه متَلَوِّثاً بالدَّمِ متلطِّخاً ببولهِ وخَرائهِ.


الصفحة التالية
Icon