قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً ﴾؛ أي مُعلِناً لهم بالدُّعاء وعلاَ صَوتِي.
﴿ ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ ﴾؛ أي كرَّرتُ الدُّعاءَ مُعلِناً و.
﴿ إِسْرَاراً ﴾، وسلَكتُ معهم في الدَّعوةِ كُلَّ مَسلَكٍ ومذهبٍ، وتلطَّفتُ لهم كُلَّ تلَطُّفٍ.
﴿ فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ﴾؛ للذُّنوب يَجمَعُ لكم من الحظِّ الوافرِ في الآخرةِ، الخصيب في الدُّنيا والغِنَى.
﴿ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ ﴾؛ بالمطرِ.
﴿ مِّدْرَاراً ﴾؛ كثيرَ الدُّرُور، كلَّما احتَجتُم إليه.
﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾؛ في الدُّنيا بساتين.
﴿ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ﴾؛ تجرِي على وجهِ الأرض لمنَافِعكم. وذلكَ أنَّ اللهَ تعالى كان قد حبسَ المطرَ حتى لم يُبقِ لهم دابَّةً ولا نَباتاً أخضرَ، وأعقمَ أرحامَ النِّساء وأصلابَ الرِّجال حتى لم يكن لَهم ولدٌ في مدة سَبع سنين، فوعدَهم نوحُ عليه السلام بردِّ ذلك كلِّه عليهم إنْ آمَنُوا. والسُّنة في الاستسقاءِ تقديمُ القُرَب والطاعاتِ، والاستكثارُ من الاستغفار كما رُوي عن عمرَ رضي الله عنه: (أنَّهُ خَرَجَ لِلاسْتِسْقَاءِ، فَجَعَلَ يَسْتَكْثِرُ مِنَ الاسْتِغْفَار، فَقِيلَ لَهُ: مَا سَمِعْنَاكَ اسْتَسْقَيْتَ وَمَا رَدَّدْتَ عَنِ الاسْتِغْفَار؟ فَقَالَ: لَقَدِ اسْتَسْقَيْتُ بمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي يَسْتَنْزِلُ بهَا الْقَطْرُ، ثُمَّ قَرَأ: ﴿ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً ﴾ ). وكان بكرُ بن عبدِالله يقولُ: (إنَّ أكْثَرَ النَّاسِ ذُنُوباً أقَلَّهُمُ اسْتِغْفَاراً، وَأكْثَرُهُمْ اسْتِغْفَاراً أقَلُّهُمْ ذُنُوباً). وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: (طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَاراً كَثِيراً).