قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً ﴾؛ أي مَكْراً عَظيماً، والكَبيرُ والكُبَّارُ بمعنىً واحدٍ، ومَكرُهم الكبيرُ إعظامُ القُربَةِ على الله تعالى، وتوصيةُ بعضِهم بقولهم: ﴿ وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ﴾؛ أي لا تدَعُوا عبادةَ أصنامِكم. وَقِيْلَ: مكرُهم الكبيرُ: أنَّهم جَرُّوا سفلتَهم على قتلِ نوح عليه السلام، قرأ ابنُ مُحَيْصِن وعيسى (كُبَاراً) بالتخفيف. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ﴾، أي لا تدَعُنَّ عبادةَ أصنامكم، ولا تدَعُنَّ عبادةَ وُدّاً ولا سُوَاعاً ويغوثَ ويعوقَ ونَسْراً، هذه خمسةُ أصنامٍ لَهم كانوا يَعبُدونَها ويقدِّمونَها على غيرِها. فلما جاءَ الغرقُ اندفنَتْ تلك الأصنامُ، وكانت مدفونةً إلى أن أخرجَها الشيطانُ لِمُشرِكي العرب، فوقعَ كلُّ صنمٍ منها في أيدِي قومٍ، فاتَّخذت قُضَاعَةُ وُدّاً يعبدونَها بدَومَةِ الْجَنْدَلِ، ثم توارَثُوها إلى أن جاءَ الإسلامُ، وهي عندَهم. وكان سُوَاعُ لِهُذيلٍ، وكان يغوثُ لِبَنِي غُطَيفٍ من مراد، وكان يعوقُ لكَهْلاَنَ، ونَسْرٌ لخثعم، وأما اللاَّتُ لثَقِيفَ، والعُزَّى لسُلَيم وغطَفَانَ وجَشم وسَعدٍ ونَضِرِ بن بكرٍ. ومناةُ لقديد، وأسافُ ونائلةٌُ وهُبَلُ لأهلِ مكَّة، فكان أسَافُ حيالَ الحجرِ الأسود، ونائلةُ حيالَ الرُّكن اليمانِيِّ، وهُبَلُ في جوفِ الكعبة، ثمانيةَ عشرَ ذِراعاً. قال الواقديُّ: (كَانَ وُدٌّ عَلَى صُورَةِ فَرَسٍ، وَنَسْرُ عَلَى صُورَةِ نَسْرٍ مِنَ الطَّيْرِ). قرأ نافعُ (وُدّاً) بضمِّ الواو، وقرأ الباقون بفتحِها وهما لُغتان.