قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً ﴾؛ أي لا يذُوقون في تلكَ الأحقاب نَوماً ولا شَراباً من الماءِ. وَقِيْلَ: معناهُ: لا يذوقون في جهنَّم من شدَّةِ حرِّها بَرداً ينفعُهم من حرِّها، ولا شَراباً ينفعُهم من عطشِها. وَقِيْلَ: معناهُ: لا يذُوقون في جهنَّم بردَ ريحٍ ولا ظلاًّ ولا شَراباً بارداً.
﴿ إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً ﴾؛ أي إلاَّ ماءً حارّاً في غايةِ الحرارة، و(غَسَّاقاً) وهو ما يغسِقُ أي يسيلُ من صَديدِ أهلِ النَّار، وكلُّ ذلك يزيدُ في العطشِ. وقال شهرُ بنُ حَوشَبَ: ((الْغَسَّاقُ وَادٍ فِي النَّار، فِيْهِ ثَلاَثُمِائَةٍ وَثَلاَثُونَ شِعْباً، فِي كُلِّ شِعْبٍ ثَلاَثُمِائَةٍ وَثَلاَثُونَ بَيْتاً، فِي كُلِّ بَيْتٍ أرْبَعُ زَوَايَا، فِي كُلِّ زَاويَةٍ ثُعْبَانٌ كَأَعْظَمِ مَا خَلَقَ اللهُ، فِي رَأسِ كُلِّ ثُعْبَانٍ سُمٌّ قَاتِلٌ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَهُ إلاَّ اللهُ تَعَالَى)). وعن أبي معاذٍ النَّحَوِيِّ قال فِي قولهِ تعالى: ﴿ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً ﴾: ((أنَّ الْبَرْدَ النَّوْمُ))، ومثلهُ قال الكسائيُّ وأبو عبيدة، والعربُ تقول: مَنَعَ الْبَرْدُ الْبَرْدَ؛ أي أذهبَ البردُ النومَ، ولأنَّ العطشَان لينامُ فيبَرَدُ غليلُه، فلذلك سُمي النومُ بَرداً، قال الشاعرُ: وإنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ وَإنْ شِئْتُ لَمْ أَطْعَمْ نُقَاحاً وَلاَ بَرْداًأي نَوماً.