قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ ﴾؛ معناهُ: لَمَّا بلغَ في استكثارهِ وكُفرهِ إلى حدٍّ لا ينفعُ فيه الوعظُ، حينئذٍ أخذهُ اللهُ بعقوبةٍ صارَ بها نَكالاً في الدُّنيا والآخرة، و﴿ ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ﴾[غافر: ٤٦] ولو تفكَّرَ هؤلاءِ الجهَّالُ لعَلموا أنه لو كان إلَهاً لم يحتَجْ إليهم لدفعِ ضرَر الحيَّة التي يخافُها. وَقِيْلَ: معنى ﴿ فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ ﴾ يعني كلمَتي فرعون حين قالَ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي ﴾[القصص: ٣٨] وقَوله ﴿ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ وكان بينَهما أربَعون سَنةً. قال مجاهدُ: ((هَذا مَعْنَى الآخِرَةِ وَالأُوْلَى، وَهِيَ الْكَلِمَةُ الأَخِيرَةُ، وَقَوْلُهُ تعالى﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي ﴾[القصص: ٣٨] هِيَ الْكَلِمَةُ الأُوْلَى)) وهذا قولُ أكثرِ المفسِّرين. وقال الحسنُ: ((مَعْنَى: نَكَالَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، الأُوْلَى: غَرَقُهُ فِي الدُّنْيَا، وَعَذَابَهُ فِي الآخِرَةِ بالنَّار)). وعن ابنِ عبَّاس قالَ: ((قَالَ مُوسَى: يَا رَب أمْهَلْتَ فِرْعَوْنَ أرْبَعَمِائَةَ سَنَةٍ وَهُوَ يَقُولُ: أنَا رَبَّكُمُ الأَعْلَى، وَيُكَذِّبُ بآيَاتِكَ وَرُسُلِكَ، فَأَوْحَى اللهُ إلَيْهِ أنَّهُ كَانَ حَسَنَ الْخُلُقِ سَهْلَ الْحِجَاب، فَأَحْبَبْتُ أنْ أكَافِئَهُ)). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ ﴾؛ أي إن في الذي فعلَ فرعونُ من العقوبةِ حين كذبَ عِظَةً لِمَن يخشَى عذابَ الله. والعبرةُ: هي الدَّلالةُ المؤدِّية إلى الحقِّ. ثم خاطبَ مُنكرِي البعثِ فقالَ تعالى: ﴿ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ ﴾؛ الخطابُ لأهلِ مكَّة، يقولُ أأنْتُمْ أشَدُّ خَلْقاً، معناهُ: أخَلقُكم بعدَ الموتِ أشدُّ عندَكم أمِ السَّماءُ في تقديرِكم؟ وهُما في قُدرةِ الله واحدٌ، وهذا كقولهِ﴿ لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ ﴾[غافر: ٥٧].
وقولهُ تعالى: ﴿ بَنَاهَا ﴾؛ أي بنَاها مع عظَمِها، فكيف لا يقدرُ على إعادتِكُم مع صِغَرِ أجسامِكم؟!


الصفحة التالية
Icon