أي حاشَا أن يكون إكرامُ الله لعبادهِ مَقصوراً على توسعةِ النِّعَمِ عليه، وأن تكون إهانةُ اللهِ لعباده مقصورةٌ على تضييقِ الرزق عليهم، بل يوسِّعُ الله تعالى النِّعَمَ على من يشاءُ على ما تقتضيه الحكمةُ. قالَ الحسنُ: ((أكْذبَهُمْ جَمِيعاً؛ يَقُولُ: مَا بالْغِنَى أكْرَمْتُ، وَلاَ بالْفَقْرِ أهَنْتُ)). وقوله ﴿ كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ ﴾ معناهُ: لا يعرِفون حقَّ اليتيمِ بالعطيَّة والصدقة، ولا يحفَظُون مالَهُ عليه، وفي هذا بيانٌ أنَّ إهانةَ الله إنما تكون بالمعصيةِ لا بما توهَّمَ الكافرُ. وروي أنَّ هذه الآيات نزَلت في أُميَّة بن خلَف، كان في حجرهِ يتيمٌ كان لا يحسنُ إليه ولا يعرفُ حقَّهُ. ومعنى (كَلاَّ) ردٌّ عليه؛ أي لم أبتليهِ بالغنى لكرامتهِ علَيَّ، ولم أبتليهِ بالفقرِ لهوانهِ علَيَّ، والفقرُ والغنَى من تقديرِي وقضائي، فلا أكْرِمُ من أكرمتهُ بالغنَى، ولا أهينُ من أهَنتهُ بالفقرِ، ولكني أكرِمُ مَن أكرمتهُ بطاعتِي، وأهين منَ أهنتهُ بمعصيتِي. قِيْلَ: معناهُ: أهَنتُ مَن أهنتُ من أجلِ أنه لم يكرِمِ اليتيمَ، قال صلى الله عليه وسلم:" أنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَينِ فِي الْجَنَّةِ "وقال:" كَافِلُ الْيَتِيمِ كَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ، وَكَالْقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ "وَ" مَنْ مَسَحَ عَلَى رَأسِ يَتِيمٍ تَعَطُّفاً عَلَيْهِ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ "وقال عيسَى عليه السلام: ((الْفَقْرُ مَشَقَّةٌ فِي الدُّنْيَا مَسَرَّةٌ فِي الآخِرَةِ، وَالْغِنَى مَسَرَّةٌ فِي الدُّنْيَا مَشقَّةٌ فِي الآخِرَةِ)). قرأ ابنُ عامرٍ (فَقَدَّرَ عَلَيْهِ رزْقَهُ) بتشديدِ الدال، وهما لُغتان، وكان أبو عمرو يقول: ((قَدِرَ بمَعْنَى قَتَّرَ، وَقَدَّرَ هُوَ أنْ يُعْطِيَهُ مَا يَكْفِيهِ)).