قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾؛ أي يا أولادَ يعقوب. ومعنى إسرائيل يعني: صفوةَ اللهِ، و(إيل) هو الله. وَقِيْلَ: (إسْرَ) هو العبدُ، و(إيْلُ) هو اللهُ، فمعناه: عبدُالله. وهو خطابٌ لليهود والنصارى. وإنَّما سُمي يعقوب؛ لأن يعقوبَ وعيصا كانا توأمين، فاقتَتَلا في بطن أمهما؛ فأراد يعقوبُ أن يخرجَ فمنعه عيصٌ وقال: واللهِ لإن خرجت قبلي لأعترضنَّ في بطن أمي فأقتُلها، فتأخَّر يعقوب وخرج عيص وأخَذ يعقوبَ بعقبهِ فخرج بعده فسمي يعقوب؛ فلذلك سُمي عيصاً لَمَّا عصيَ فخرجَ قبل يعقوب وكان عيصُ أحبهما إلى أبيهِ؛ وكان يعقوب أحبَّهما إلى أُمه؛ وكان عيص صاحبَ صيدٍ؛ فلما كَبَرَ إسحاق وعميَ قال لعيصُ: يا بنيَّ أطعمني لحمَ صيدٍ واقترب مني حتى أدعو لك بدعاءٍ دعا لي به أبي إبراهيمُ عليه السلام وكان عيصُ رجلاً أشعرَ؛ وكان يعقوبُ أجرد، فخرج عيصُ وطلب الصيدَ، فقالت أُمه ليعقوب: يا بُنَيَّ إذهب إلى الغنمِ فاذبح شاةً منها ثُم اشْوِهَا والبس جِلدها وقدِّمها إلى أبيك، وقل أنا ابنُكَ عيص، ففعل ذلك يعقوبُ، فلما جاءَ قال: يا أبتاهُ، كُلْ. قال: من أنتَ؟ قال: ابنك عيصُ. فمسَّهُ فقال: المسُّ مسُّ عيصِ والريح ريحُ يعقوب، فقالت أُمه: هو ابنك عيص فادعُ له. قال: قدِّم طعامَك. فقدمهُ فأكل منه، ثم قال: ادْنُ مني، فدنَى منهُ فدعا له أن يجعلَ اللهُ في ذرِّيته الأنبياءَ والملوك. وذهب يعقوبُ فجاء عيص، فقال: قد جئتُك بالصيد الذي أردتَه، قال: يا بني قد سبقكَ أخوك يعقوبُ، فغضبَ وقال: والله لأقتلنَّه. فقال إسحاقُ: يا بني قد بقيت لك دعوةٌ فهلمَّ أدعو لك بها، فدعا أن تكونَ ذريته عددَ التراب؛ وأن لا يَملكَهُم أحدٌ غيرهم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ﴾؛ أي احفَظُوا واشكُروا. قال الحسنُ: (ذِكْرُ النِّعْمَةِ شُكْرُهَا). قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" الْمُتَحَدِّثُ بنِعَمِ اللهِ شَاكِرٌ، وَتَاركُهَا كَافِرٌ "وقولهُ تعالى: ﴿ نِعْمَتِيَ ﴾ أراد نِعَمِي؛ لفظُها واحدٌ ومعناها جمعٌ؛ نظيرها قوله تعالى:﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾[إبراهيم: ٣٤].
والعددُ لا يقع على الواحد. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ﴾ أي على أجدادكم وأسلافِكم؛ وذلك أن الله تعالى فَلَقَ لهم البحر فأنجاهم من فرعون وأهلكَ عدوَّهم وأورثهم ديارَهم وأموالهم وظلَّل عليهم الغمامَ في التيه تقيهم حرَّ الشمس، وجعل لهم عموداً من نورٍ يضيء لهم بالليل؛ إذا لم يكن ضوءُ القمرِ، وأنزل عليهم المنَّ والسلْوَى، وفَجَّر لهم اثني عشر عيناً؛ وأنزلَ عليهم التوراةَ بيانُ كلِّ شيء يحتاجون إليه في دِينهم ودُنياهم، فهذه نِعَمٌ من الله كثيرةٌ لا تحصى. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ ﴾؛ أي الذي عَهِدْتُ إليكم في التوارة.
﴿ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾، أي أدخلكم الجنةَ وأُنجز لكم ما وعدتكم. وقرأ الزهري: (أُوَفِّ) بالتشديد على التأكيدِ؛ يقال: وفَى وَوَافَى ووفَّى بمعنى واحد. قِيْلَ: إن اللهَ تعالى كان قد عَهِدَ إلى بني إسرائيلَ في التَّوراةِ: إنِّي باعثٌ من بني إسماعيلَ نبيّاً أُمِّياً فاتبعوهُ، فمن تَبعَهُ وصدَّقَ بالنور الذي يأتِي به غفرتُ له ذنوبَه وأدخلتُه الجنة وجعلتُ له أجرَين؛ أجراً باتِّباعه ما جاءَ به موسى والأنبياءُ من بني إسرائيل؛ وأجراً باتباعه ما جاء به مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. وقال قتادةُ: (هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أخَذَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ:﴿ وَلَقَدْ أخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثَنَيْ عَشَرَ نَقيبًا ﴾[المائدة: ١٢] إلَى قَوْلِهِ:﴿ قَرْضًا حَسَنًا ﴾[المائدة: ١٢] فَهَذَا قَوْلُهُ ﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ ﴾، ثُمَّ قَالَ:﴿ لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾[المائدة: ١٢] الآيةُ، فَهَذَا قَوْلُهُ: ﴿ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ ). وَقِيْلَ: معناهُ: أوْفوا إلَيَّ بشرطِ العبوديَّة أوْفِ بشرطِ الرُّبوبيَّة. وقال أهلُ الإشارةِ: أوفُوا بعهدي في دار مِحنَتي بحفظ حُرمتي أوفِ بعهدكم في دار نِعمَتي على بساطِ كرامَتِي بقُربي ورؤيَتي. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ ﴾، أي خافونِي في نقضِ العهد.


الصفحة التالية
Icon