قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ سَلاَمٌ هِيَ ﴾؛ تَمامُ الكلامِ عند قولهِ تعالى ﴿ مِّن كُلِّ أَمْرٍ ﴾، ثم ابتدأ فقالَ: ﴿ سَلاَمٌ هِيَ ﴾ أي ليلةُ القدر، سلامةٌ هيَ؛ أي خيرٌ كلُّها ليس فيها شرٌّ، قال الضحَّاك: ((لاَ يُقَدِّرُ اللهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إلاَّ السَّلاَمَةَ، فَأَمّا اللَّيَالِي غَيْرَهَا فَيَقْضِي فِيهِنَّ الْبَلاَءَ وَالسَّلاَمَةَ)). قال مجاهدُ: ((هِيَ سَالِمَةٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الشَّيْطَانُ أنْ يَعْمَلَ فِيهَا شَرّاً ولاَ أذَى)). وقال الشعبيُّ: ((هُوَ تَسْلِيمُ الْمَلاَئِكَةِ لَيْلَةَ الْقَدْر عَلَى أهْلِ الْمَسَاجِدِ مِنْ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ إلَى أنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ)). وفي قراءةِ ابنِ عبَّاس (مِنْ كُلِّ أمْرٍ سَلاَمٌ) معناهُ: مِن كلِّ ملَك سلامٌ على المؤمنِين في هذه الليلة، وَقِيْلَ: على هذه القراءة أيضاً أن (مِنْ) بمعنى (على)؛ تقديرهُ: على كلِّ امرئ من المسلمين سلامٌ من الملائكةِ، ونظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ﴾[الأنبياء: ٧٧] أي على القومِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ ﴾؛ أي إلى مطلعِ الفجر، و(حتَّى) حرفُ غايةٍ، قرأ الأعمشُ والكسائي وخلف (مَطْلِعِ) بكسرِ اللام، وقرأ الباقون بفتحها وهو الاختيارُ؛ لأن المطلَع بفتحِ اللام بمعنى الطُّلوع، يقالُ: طلَعت الشمسُ طُلوعاً ومَطْلَعاً، وأما المطلِعُ بكسر اللام، فإنه موضعُ الطُّلوع، ولاَ معنى للاسمِ ها هنا. والحكمةُ في إخفاءِ ليلة القدر على العبادِ: أنَّهم لو عَرفوها لقصدُوها بالعبادةِ، وأهملوا في سائرِ الليالِي، وإذا لم يعرِفوها بعينها عبَدُوا اللهَ في جميع ليالِي شهرِ رمضانَ رجاءَ أن يُدركوها.


الصفحة التالية
Icon