﴿ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ ﴾؛ أي شغلَتْكم المباهاةُ والمفاخرَةُ بكثرةِ المال والعدد عن طاعةِ ربكم حتى مِتُّمْ ودُفِنْتُم في المقابرِ قبلَ أنْ تَتوبُوا، ويقالُ لِمَن ماتَ: زارَ حُفرتَهُ، وتوَسَّدَ لَحْدَهُ. هذا خطابٌ لِمَن حرصَ على الدُّنيا وجَمَعَ أموالها وهو يريدُ التكاثرَ والتفاخرَ بها. وَقِيْلَ: إنَّ هذه السُّورةَ نزَلت في حَيَّيْنِ من قُريش؛ أحدُهما: بنو عبدِ مَناف، والآخرُ: بنو سَهْمٍ، فعَدُّوا أيُّهم أكثرَ، فكثَّرهم بنو عبدِ مناف، فقال بنو سهمٍ: إنما أهلَكَنا البغيُ في الجاهليَّة، فعُدُّوا أمواتَنا وأمواتَكم وأحياءَنا وأحياءَكم، فتعادُّوا فكثَّرهم بنو سهمٍ، فأنزلَ اللهُ هذه السورة تَهديداً لهم. والمعنى: شغَلَكم التفاخرُ بالأنساب والمناقب عن توحيدِ الله حتى عدَدتُم الموتَى في المقابرِ. ثم زادَ في وعيدهم فقالَ: ﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾؛ أي حقّاً سوفَ تعلمون ماذا تَلقَون من العذاب عند الموت وفي القبرِ.
﴿ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾؛ أي ثُم حقّاً سوف تعلَمُون ماذا تَلقَون في الآخرةِ من عذابها، ولا بدَّ أن يكون المرادُ بهذا الثاني غير المرادِ الأول، وكيف يكون هذا تِكرَاراً، وقد دخلَ بينهما حرفُ (ثُمَّ) التي هي للتراخِي.