قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ﴾؛ وذلك أنَّ العربَ كانت لا تُورثُ إلاَّ مَن طَاعَنَ بالرِّمَاحِ وَذادَ عن المالِ وحَازَ الغنيمةَ، فأعلمَ اللهُ تعالى أنَّ حَقَّ الميراثِ لِلرِّجَالِ والنِّسَاءِ. قال ابنُ عبَّاس:" " تُوُفِّيَ أوْسُ بْنُ ثابتٍ الأَنْصَارِيُّ وَتَرَكَ ثَلاَثَ بَنَاتٍ لَهُ، وَتَرَكَ امْرَأةً يُقَالُ لَهَا أمُّ كُجَّةَ وَهِيَ أمُّهُنَّ، فَقَامَ رَجُلاَنِ مِنْ بَنِي عَمِّهِ قَتَادَةُ وَعَرْفَطَةُ وَكَانَا وَصِيَّيْنِ لَهُ فَأَخَذا مَالَهُ، وَلَمْ يُعْطِيَا امْرَأتَهُ وَلاَ بَنَاتَهُ شَيْئاً مِنَ الْمَالِ، فَجَاءَتْ أمُّ كُجَّةَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ أوْسَ بْنَ ثَابتٍ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ثَلاَثَ بَنَاتٍ، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أنْفِقُ عَلَيْهِنَّ، وَقَدْ تَرَكَ أبُوهُنَّ مَالاً حَسَناً وَهُوَ عِنْدَ قَتَادَةَ وَعَرْفَطَةَ ولَمْ يُعْطِيَانِي وَلاَ لِبَنَاتِي شَيْئاً، هُنَّ فِي حِجْرِي لاَ يَطْعَمْنَ وَلاَ يَسْقِيْنَ وَلاَ يُرْفَعُ لَهُنَّ رَأسٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " ارْجِعِي إلَى بَيْتِكِ حَتَّى أنْظُرَ مَا يُحْدِثُ اللهُ فِيْهِنَّ " فَرَجَعَتْ إلَى بَيْتِهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ لآيَةَ " ". ومعناه: للرجالِ حظٌّ مِمَّا تركَ الولدانِ والأقربونَ، وللنساءِ كذلكَ أيضاً، مما قَلَّ مِن المالِ أو كَثُرَ.
﴿ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ﴾ أي مَعْلُوماً مقدَّراً، فأرسلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى قتادةَ وعَرْفَطَةَ:" " أنْ لا تَقْرَبَا من مالِ أوْسٍ شَيْئاً، فإنَّ اللهَ قدْ أنْزَلَ لِبَنَاتِهِ نَصِيْباً، ولَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ، أنْظُرُكُمْ يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى لَهُنَّ " فأنزلَ اللهُ بعد ذلكَ ﴿ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ ﴾ إلى قولهِ ﴿ ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ فأرسلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى قتادةَ وعرفطةَ: " أنِ ادْفَعَا إلَى أمِّ كُجَّةَ ثُمْنَ جَمِيْعِ الْمَالِ إدْفَعَا إلَيْهَا لِبَنَاتِهَا الثُّلُثَيْنِ وَلَكُمُ بَاقِي الْمَالِ " ". وانتصبَ قَوْلُهُ تَعَالَى (نَصِيْباً) لِخروجِهِ مخرجَ المصدرِ كقول القائلِ: عِنْدِي حَقّاً؛ ولك معي درهمٌ هبةً.