قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ﴾؛ يعني الرجلَ والمرأةَ إلاَّ أنَّ المذكَّر والمؤنَّث إذا اجتمعا غُلِّبَ المذكَّرُ، والهاءُ راجعةٌ إلى الفاحشةِ. قال المفسِّرون: (هَاءُ) الْبكْرِ إنْ يَزْنِيَانِ فآذُوهُمَا بالشَّتْمِ وَالتَّعْييْرِ؛ يقالُ لَهُما: زَنَيْتُمَا؛ فَجَرْتُمَا؛ انْتَهَكْتُمَا حُرُمَاتِ اللهِ. وقيلَ: بهاء اللَّذين لم يُحْصَنَا. وقال عطاءُ وقتادة: (مَعْنَى: ﴿ فَآذُوهُمَا ﴾ أيْ عَنِّفُوهُمَا باللِّسَانِ: أمَا خِفْتُمَا اللهَ! أمَا اسْتَحَيْيَتُمَا مِنْهُ!). قال ابنُ عبَّاس: (أرَادَ بالأَذى الضَّرْبَ بالنِّعَالِ وَالأَيْدِي). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ ﴾؛ أي فإنْ تَابَا عن الزِّنا واصلحَا العملَ بعد التوبةِ فأعرِضُوا عنهما؛ لا تَسُبُّوهُما ولا تعيِِّرُوهما." وعن أبي هُريرة رضي الله عنه: أنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَال أحَدُهُمَا: إقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَقَالَ الآخَرُ: أجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ اقْضِ بَيْنَنَا بكِتَاب اللهِ وَأذنْ لِي أنْ أتَكَلَّمَ، قَالَ: " تَكَلَّمْ " فَقَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَى هَذا - أيْ أجِيْراً - فَزَنَا بامْرَأتِهِ، فًَأخْبَرُونِي أنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُهُ بمِائَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أنَّ على ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيْبَ عَامٍ، وَإنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأتِهِ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " أمَا وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ؛ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بكِتَابِ اللهِ، أمَّا غَنَمُكَ وَجَاريَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ " وَجَلَدَ ابْنَهُ بمِائَةٍ وَغَرَّبَهُ عَاماً، وَأمَرَ أنَيْساً الأَسْلَمِيَّ أنْ يَأتِيَ امْرَأةَ الرَّجُلِ؛ فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا "قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً ﴾؛ أي لَم يَزَلْ مُتَجَاوزاً عن النَّاسِ رَحِيْماً بهم بعد التوبة.