قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾؛ معناهُ: إنْ تَتْرُكُوا كَبَائِرَ الذُّنوب نُكَفِّرْ عَنْْكُمُ الصغائرَ، كما رويَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال:" الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا جُنِّبَتَ عَنِ الْكَبَائِرِ ".
﴿ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً ﴾؛ يعني الجنَّةَ. قرأ أهلُ المدينة: (مَدْخَلاً) بفتح الميم، وهو موضعُ الدخول. وقرأ الباقون بالضمِّ على المصدر، بمعنى الإدخَالِ. واختلفُوا في الكبائرِ التي جعلَ الله تعالى اجْتِنَابَهَا تكفيراً للصغائرِ، فقال ابنُ عبَّاس: (هِيَ كُلُّ شَيْءٍ سَمَّى اللهُ فِيْهِ النَّارَ لِمَنْ عَمِلَ بهَا أوْ شَيْءٍ نَزَلَ فِيْهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا). ويروى: أنَّ رَجُلاً أتَى ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه فقالَ: إنِّي أصَبْتُ ذنْباً فأُحِبُّ أنْ تَعُدَّ عَلَيَّ الْكَبَائِرَ؛ فَعَدَّ عَلَيْهِ سَبْعاًَ؛ فَقَالَ: (الإشْرَاكُ باللهِ؛ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ؛ وَقَتْلُ النَّفْسِ؛ وَأَكْلُ الرِّبَا؛ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيْمِ؛ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ؛ وَالْيَمِيْنُ الْفَاجِرَةُ). وعن ابنِ مسعُودٍ قالَ: (الْكَبَائِرُ أرْبَعٌ: الْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ؛ وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ؛ وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهَ؛ وَالشِّرْكُ). قال مقاتلُ: (الْكَبَائِرُ: مَا نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ أوَّلِ هَذِهِ السُّوَر). ويقال: لا كبيرةَ مع الاستغفار ولا صغيرةَ مع الإصرار. وعن ابنِ مسعُود قال: قُلْتُ:" يَا رَسُولَ اللهِ؛ أيُّ الذنْب أعْظَمُ؟ قَالَ: " أنْ تَجْعَلَ للهِ أنْدَاداً وَهُوَ خَلَقَكَ " قُلْتُ: ثُمَّ مَاذا؟ قَالَ: " أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خِشْيَةَ أنْ يَأَكُلَ مَعَكَ " قُلْتُ: ثُمَّ مَاذا؟ قَالَ: " أنْ تَزْنِي بحَلِيْلَةِ جَاركَ " "وتصديقُ ذلك قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ﴾[الفرقان: ٦٨-٦٩].
وعن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ:" أكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإشْرَاكُ باللهِ؛ وَالْيَمِيْنُ الْغَمُوسُ؛ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ؛ وَقَتْلُ النَّفْسِ "وعن أنسٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" أرْبَعٌ مِنَ الْكَبَائِرِ: الشِّرْكُ باللهِ؛ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ؛ وَشَهَادَةُ الزُّور "وسُئِلَ ابنُ عبَّاس رضي الله عنه عنِ الكبائرِ: أسَبْعٌ هِيَ؟ قَالَ: (هُنَّ إلَى سَبْعِينَ لأَقْرَبُ مِنْهُنَّ إلَى السَّبعِ) ثم قالَ: (الْكَبَائِرُ: الشِّرْكُ؛ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ؛ وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ؛ وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ؛ وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ؛ وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ؛ وَالسِّحْرُ؛ وَالرِّبَا؛ وَالزِّنَا؛ وَالسَّرِقَةُ؛ وَأكْلُ مَالِ الْيَتِيْمِ؛ وَتَرْكُ الصَّلَوَاتِ؛ وَمَنْعُ الزَّكَاةِ؛ وَشَهَادَةُ الزُّور؛ وَقَتْلُ الْوَلَدِ خِشْيَةَ أنْ يَأَكُلَ مَعَهُ؛ وَالْحَسَدُ؛ وَالْكِبْرُ؛ وَالْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ؛ وَتَحْقِيْرُ الْمُسْلِمِيْنَ). وقال سعيدُ بن جبيرٍ: (كُلُّ ذنْبٍ أوْعَدَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ النَّارَ فَهُوَ كَبيْرَةٌ). قال الضحَّاك: (مَا وَعَدَ اللهُ عَلَيْهِ حَدّاً فِي الدُّنْيَا وَعذاباً فِي الآخِرَةِ فَهُوَ كَبيْرَةٌ). قال بعضُهم: ما سَمَّاهُ الله في القرآن كبيراً أو عظيماً فهو كبيرةٌ، نحوَ قولهِ:﴿ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً ﴾[النساء: ٢]﴿ إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً ﴾[الإسراء: ٣١]﴿ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾[لقمان: ١٣]﴿ سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾[النور: ١٦]﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾[يوسف: ٢٨]﴿ إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً ﴾[الأحزاب: ٥٣].
وقال سفيانُ الثوريُّ: (الْكَبَائِرُ مَا كَانَ مِنَ الْمَظَالِمِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْعِبَادِ، وَالصَّغَائِرُ مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ لأَنَّ اللهَ كَرِيْمٌ يَعْفُو). وَقِيْلَ: الكبيرُ ما نَهى اللهُ عنه من الذنوب الكبائرِ والسيِّئات مقدماتُها وأتبعها مثلُ النظرةِ واللَّمسة والقُبلةِ وأشباهِها. وَقِيْلَ: الكبيرةُ ما قَبُحَ في العقلِ والطبع مثل القَتْلِ والظُّلْمِ والزنا والكذب والنميمة ونحوها. وقال بعضُهم: الكبائرُ ما يستحقِرهُ العبدُ، والصغائرُ ما يستقطعه فيخافُ منه.


الصفحة التالية
Icon