قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ ﴾؛ أي ولكلِّ واحدٍ من الرجال والنساء جعلنَا موالِي عَصَبَةٍ يَرثُونَهُ مِمَّا تركَهُ والدُه وأقرباؤُه من ميراثِهم، والوالدان والأقربونَ على هذا التأويلِ همُ المورّوثون. وَقِيْلَ: معناهُ: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ؛ أي وَرَثَةً مِن الذين تركَهُم، ثم فسَّرهم فقالَ: الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ، على هذا التأويل هم الوارثُون. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ﴾؛ في محِلِّ الرفع بالابتداء، والمُعَاقَدَةُ هي الْمُعَاهَدَةُ بين اثنين. وقرأ أهلُ الكوفة (عَقَدَتْ) بغير ألف أراد عقدت لهم أيْمانُهم. قال ابنُ عبَّاس: (كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذا أعْجَبَهُ ظُرْفُ الرَّجُلِ عَاقَدَهُ وَحَالَفَهُ؛ وَقَالَ: أنْتَ ابْنِي تَرِثُنِي؛ خِدْمَتِي خِدْمَتُكَ؛ وَذِمَّتِي ذِمَّتُكَ؛ وَثَأْري ثأْرُكَ، فَيَكُونُ بهِ ببَعْضِ وَرَثَتِهِ مِثْلُ نَصِيْب أحَدِهِمْ، إلاَّ أنْ يَنْقُصَ نَصِيْبُهُ عَنِ السُّدُسِ لِكَثْرَةِ الْوَرَثَةِ؛ فَيُعْطَى السُّدُسَ خَاصَّةً لاَ يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ نُسِخَتْ بقَوْلِهِ تَعَالَى﴿ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ ﴾[الأنفال: ٧٥]). قال قتادةُ: (أرَادَ بقَوْلِهِ: ﴿ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ﴾: الْحُلَفَاءُ؛ كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: دِيْنِي دِيْنُكَ؛ وَثَأْري ثأْرُكَ؛ وَحِزْبي حِزْبُكَ؛ وَسِلْمِي سِلْمُكَ؛ تَرِثُنِي وَأرثُكَ؛ تَعْقِلُ عَنِّي وَأعْقِلُ عَنْكَ؛ وَتَطْلُبُ بي وَأَطْلُبُ بكَ، فَيَكُونُ لِلْحَلِيْفِ السُّدُسُ ثُمَّ نُسِخَ ذلِكَ بِقَوْلِهِ:﴿ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ ﴾[الأنفال: ٧٥]). وقال مجاهدُ: (أرَادَ بقَوْلِهِ: ﴿ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ﴾ النَّصْرَ وَالْعَقْلَ وَالرَّفَادَةَ دُونَ الْمِيْرَاثِ). فَعَلَى هَذا تَكُونُ الآية غيرَ منسوخةٍ لقولهِ تعالى:﴿ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ ﴾[المائدة: ١] ولقولهِ صلى الله عليه وسلم:" أوْفُوا لِلْحُلَفَاءِ بعُهُودِهِمْ الَّتِي عَقَدَتْ أيْمَانُكُمْ "وليس معنى قولِ ابن عبَّاس أنَّ هذه الآية منسوخةٌ، نُسِخَ حُكمها من الأصلِِ، ولكن معناهُ: تقديمُ ذوي الأرحامِ على أهلِ العقد، وهو كحدوثِ ابنٍ لِمَنْ لهُ أخٌ لا يخرجُ الأخَ من أن يكون أهْلاً للميراثِ إلاَّ أن يكون الابنُ أولى منه، كذلك أولي الأرحامِ أوْلى من الحليفِ، فإذا لم يكن للميتِ رَحِمٌ ولا عُصْبَةٌ فالميراثُ للحليفِ، ولِهذا قال أصحابُنا: فمن أسلمَ على يدَي رجلٍ ووالاهُ - عَاقَدَهُ - ثم ماتَ ولا وارثَ له غيرهُ أن ميراثَه لهُ، ولِهذا قالوا: إنَّ من أوصَى بجميعِ ماله ولا وارثَ له صحَّتِ الوصيةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً ﴾؛ أي لم يَزَلْ شاهداً على كلِّ شيء من إعطاءِ النصيب ومنعِه.