قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.
لا يُحسن إدخال ﴿ إِيَّاكَ ﴾ في غيرِ الْمُضْمَرَاتِ. وحُكي عن الخليلِ: (إذَا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّيْنَ فَإيَّاهُ؛ وَإيَّا الشَّوَاب). فأضافَهُ إلَى ظاهرٍ؛ وهو قبيحٌ مع جوازهِ ولا يكونُ إلاَّ إذا تقدَّم، فإنْ تأخَّرَ؛ قُلْتَ: نَعْبُدُ؛ ولا يجوز: نَعْبُدُ إياكَ. فإنْ قِيْلَ: لِمَ قدَّم ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ وهلاَّ قالَ: نعبدُكَ؟ قيل: إنَّ العربَ إذا ذكرَتْ شَيئين قدَّمت الأهَمَّ فالأهَمَّ؛ ذِكْرُ المعبودِ في هذه الآية أهمُّ من ذكرِ العبادة فقدَّمَهُ عليها. والكافُ من ﴿ إِيَّاكَ ﴾ في موضعِ خفض بمنْزلة عَصَاكَ؛ وأجازَ الفرَّاء: أن تكون في موضعِ نصبٍ؛ فكأنه جعلَ ﴿ إِيَّاكَ ﴾ بكمالهِ ضميرَ المنصوب. فإن قيلَ: لِمَ عدلَ عن المغايبةِ إلى المخاطبة؟ قُلْنَا: مِثْلُهُ كثيرٌ في القُرْآنِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى:﴿ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ ﴾[يونس: ٢٢].