قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾؛ حكايةُ قول إبليسَ؛ أي لأُضِلَّنَّهُمْ عن الحقِّ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ أنَّهُ لا جَنَّةَ ولا نارَ ولا بعثَ ولا حسابَ، ولأُريحنَّهم طولَ الحياةِ في الدُّنيا.
﴿ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ ﴾؛ أي بتَشْقِيْقِ آذانِ الأنعَامِ؛ وهي الْبُحِيْرَةُ التي كانوا يفعلونَها نُسُكاً وعبادةً للأوثانِ، والقطع. ﴿ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ ﴾؛ قال ابنُ عبَّاس ومجاهدُ وقتادة والحسنُ والضحَّاك: (فَلْيُغَيِّرُنَّ دِيْنَ اللهِ) نَظِيْرُهُ﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ﴾[الروم: ٣٠] أي لدينِ الله، كقولهِ:﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ ﴾[الروم: ٣٠].
وقال عكرمةُ: (مَعْنَاهُ: فَلِيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ بالْخَصْيِ وَالْوَشْمِ وَقَطْعِ الآذانِ وَفَقْئِ الْعُيُونِ). قال مجاهدُ: (كَذبَ عِكْرِمَةُ؛ إنَّما هُوَ دِيْنُ اللهِ). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً ﴾؛ أي مَن يَتَّخِذْهُ ناصِراً من دون اللهِ فقد غُبنَ غُبْناً ظاهراً؛ لأنه خَسِرَ الجنَّةَ والنعيمَ الذي فيها. فإن قيل: (كيفَ عَلِمَ إبليسُ أنهُ يَتَّخِذُ من عبادِ الله نصيباً؟ فيه أجوبةٌ؛ منها: أنَّ اللهَ لَمَّا خاطبَهُ بقولهِ﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾[هود: ١١٩] عَلِمَ إبليسُ أنهُ يَنَالُ من ذرِّيةِ آدمَ ما تَمَنَّى. ومنها: أنه لَمَّا وَسْوَسَ لآدمَ فنَالَ منهُ ما نالَ، طَمِعَ في ذرِّيته. ومنها: أن إبليسَ لَمَّا عَايَنَ الجنَّةَ والنارَ عَلِمَ أنَّ لَهَا سُكَّاناً من الناسِ). وقوله: ﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ﴾؛ أي يَعِدُهُمْ أن لاَ جَنَّةَ وَلاَ نَارَ؛ وَيُمَنِّيْهِمْ طُولَ البقاءِ في الدُّنيا ودوامَ نعيمِها ويُؤْثِرُوهَا على الآخرةِ.
﴿ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾؛ أي بَاطِلاً، والْغُرُورُ: إيْهَامُ النَّفْعِ فيما فيه ضررٌ.


الصفحة التالية
Icon