قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ ﴾؛ أي الآنَ تَمَّمَ اللهُ لكم بيانَ الْحَلاَلاَتِ؛ وهو كُلُّ ما لَمْ يَجْرِ ذِكْرُهُ في الْمُحَرَّمَاتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ﴾؛ أي ذبائحُ اليهودِ والنصارى حلالٌ لكم. والدليل على أنَّ المرادَ بالطعامِ ها هنا الذبائحُ: أنَّ ما سِوَى الذبائحِ من الأطعمةِ والأشربةِ حلالٌ للمسلمين؛ سواءٌ كانت لأهلِ الكتاب أو لغيرهم، فَبَانَ المرادُ به الذبائحُ؛ لأنَّ ذبائحَ غيرِ أهل الكتاب من الكفَّار حرامٌ على المسلمينَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ﴾؛ أي ذبائحُكم حلالٌ لَهم؛ أي رُخِصَّ لكم في أن تُطْعِمُوهُمْ ذلك. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ ﴾؛ قال الحسنُ: (أرَادَ بالْمُحْصَنَاتِ هَا هُنَا الْحَرَائِرَ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْكِتَابيَّاتِ). وقال ابنُ عبَّاس: (أرادَ بهِ الْحَرَائِرَ الْعَفَائِفَ مِنْهُنَّ). وتقديرُ الآية: وأحِلَّ لكم نكاحُ الْمُحْصَنَاتِ من المؤمناتِ والكتابيَّات، وقد استدلَّ بعضُ الفقهاءِ بظاهرِ هذه الآية: على أنه لا يجوزُ للمسلم نكاحُ الأَمَةِ الكتابيَّةِ، والصحيحُ: أنه يجوزُ بظاهرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:﴿ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾[النساء: ٢٥] بدليلِ حلِّ ذبائحِهن. وإنَّما خَصَّ الْمُحْصَنَاتِ بإباحةِ نكاحهنَّ مع جواز نكاحِ غيرِهن؛ لأنَّ الآية خرجت مَخْرَجَ الامتنانِ والْمِنَّةِ في نكاحِ الحرائرِ العفائف أعظمَ وأتَمَّ، يدلُّ على ذلكَ: أنه لا خلافَ في جواز النكاحِ بين المسلم والأَمَةِ المؤمنةِ، وإنْ كان في الآيةِ تخصيصُ الْمُحْصَنَاتِ من المؤمنات، والأفضلُ لمن أرادَ النكاحَ أن لا يَعْدِلَ عن نكاحِ الحرائرِ الكتابيَّات مع القدرةِ عليهنَّ؛ وذلك لأنَّ نكاح الأمَةِ يؤدِّي إلى إرقاقِ الولد؛ لأنَّ الولدَ يتبعُ الأَمَةَ في الرِّقِّ والحريَّةِ، ولا ينبغِي لأحدٍ أن يختارَ رقَّ وَلَدِهِ، كما لا ينبغي أنْ يختارَ رقَّ نفسهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ ﴾؛ أي ناكحينَ غيرَ زَانينَ معلنينَ بالزِّنَا، ولا مُتَّخِذِي صديقاتٍ للزِّنا سِرّاً. قال الحسنُ: (كَانَ بَعْضُ الْجَاهِلِيَّةِ تُسَافِحُ وَتَزْنِي بكُلِّ مَنْ وَجَدَ مِنَ النِّسَاءِ، وَبَعْضُهُمْ يَتَّخِذُ خَلِيْلَةً يَزْنِي بهَا سِرّاً وَيَتَجَنَّبُ الزِّنَا عَلاَنِيَةً، فَبَيَّنَ اللهُ تَعَالَى بهَذِهِ الآيَةِ حُرْمَةَ الزِّنَا سِرّاً وَعَلاَنِيَةً). قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾؛ قال ابنُ عبَّاس: (لَمَّا رَخَّصَ اللهُ لِلْمُسْلِمِيْنَ فِي نِكَاحِ الْكِتَابيَّاتِ؛ قَالَ أهْلُ الْكِتَاب: لَوْلاَ أنَّ اللهَ رَضِيَ أعْمَالَنَا لَمْ يُحِلَّ لِلْمُسْلِمِيْنَ تَزْويْجَ نِسَائِنَا. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كَيْفَ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْكِتَابيَّةَ وَهِيَ كَافِرةٌ؟ فَأَنْزَلَ ﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾ مِنَ الْمَغْبُونِيْنَ، غَبَنَ نَفْسَهُ وَفَسَقَ وَصَارَ إلَى النَّار، لا يُغْنِي عَنِ الْمَرْأةِ الْكِتَابيَّةِ إسْلاَمُ زَوْجِهَا وَلاَ يَنْفَعُهَا ذلِكَ، وَلاَ يَضُرُّ الْمُسْلِمَ كُفْرُ زَوْجَتِهِ الْكِتَابيَّةِ).