قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ ﴾؛ قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (وَذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً سَبْعِيْنَ رَجُلاً إلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَأمَّرَ عَلَيْهِمُ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرِو الأَنْصَاريِّ، وَكَانَ طَرِيقُهُمْ عَلَى بَنِي سُلَيْمٍ، وَكَانُوا يَوْمَئِذٍ صُلَحَاءَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأمَرَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ السَّرِيَّةَ أنْ يَنْزِلُوا عَلَى بَنِي سُلَيمٍ فَنَزَلُواْ عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ بَنُو سُلَيْمٍ إلَى بَنِي عَامِرٍ وَأخْبَرُوهُمْ بأَمْرِهِمْ وَقِلَّتِهِمْ، فَارْتَحَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عِنْدِ بَنِي سُلَيْمٍ إلَى بَنِي عَامِرٍ، فَأَضَلَّ أرْبَعَةٌ مِنْهُمْ بَعِيْراً لَهُمْ، فَاسْتَأْذنُوا أمِيْرَهُمْ أنْ يَطْلُبُوا بَعِيْرَهُمْ ثُمَّ يَلْحَقُوا بهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ، وَسَارَ الْمُنْذِرُ بمَنْ بَقِيَ مَعَهُ حَتَّى أتَاهُمْ وَقَدْ جَمَعُوا لَهُمْ واْسْتَعَدُّوا لَهُمْ بالسِّلاَحِ، فَالْتَقَوا ببئْرِ مَعُونَةَ فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيْداً، ثُمَّ قُتِلَ الْمُنْذِرُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيْعاً. ثُمَّ أقْبَلَ الأَرْبَعَةُ الَّذِينَ أضَلُّوا الْبَعِيْرَ، فَلَقِيَتْهُمُ أمَةٌ لِبَنِي عَامِرٍ فَقَالَتْ لَهُمْ: أمِنْ أصْحَاب مُحَمَّدٍ أنْتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَتْ: فَإنَّ إخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا جَمِيْعاً عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ: أحَدُ الأرْبَعَةِ: مَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَرَى أنْ نَرْجِعَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنُخْبرَهُ بالأَمْرِ، قَالَ: لاَ؛ وَلَكِنْ وَاللهِ لَمْ أكُنْ لأَرْغَبَ بنَفْسِي عَنْ أصْحَابي، إرْجِعُوا فَأَقْرِئُوا مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم مِنِّي السَّلاَمَ. ثُمَّ أشْرَفَ عَلَى أصْحَابهِ فَإذا هُمْ مَقْتُولُونَ، وَالْمُشْرِكُونَ قُعُودٌ يَتَغَدَّوْنَ، فَانْحَدَرَ إلَيْهِمْ مِنَ الْجَبَلِ بسَيْفِهِ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. وَغَشِيَ الثَّلاَثَةُ الْمَدِيْنَةَ، فَلَقُوا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ خَارِجَيْنِ مِنَ الْمَدِيْنَةِ فَقَالاَ لَهُمَا: مَنْ أنْتُمَا؟ قَالاَ: مِنْ بَنِي عَامِرٍ، قَالاَ: هَذانِ مِنَ الَّذِيْنَ قَتَلُوا إخْوَانَنَا؛ فَقَتَلُوهُمَا وَأخَذُوا سِلاَحَهُمَا، ثُمَّ دَخَلُوا المَدِيْنَةَ فَأَخْبَرُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" بئْسَ مَا صَنْعْتُمْ، قَتَلْتُمْ رَجُلَيْنِ مِنْ أهْلِ الْمِيْثَاقِ "وَجَاءَ أوْلِيَاءُ الْقَتِيْلَيْنِ يَطْلُبُونَ الْقِصَاصَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" لَيْسَ لَكُمْ إلاَّ دِيَةُ صَاحِبَيْكُمْ أغَرْنَا إلَى عَدُوِّنَا مِنْ بَنِي عَامِرٍ، وَلَكِنَّا نُؤَدِّي إلَيْكُمُ الدِّيَةَ "فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ حَتَّى أتَى بَنِي قَُرَيْظَةَ؛ فَقَالَ لَهُمْ:" إنَّكُمْ جِيْرَانُنَا وَحُلَفَاؤُنَا، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا أصَبْنَا بهِ مِنْ دَمِ الرَّجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَهُمَا مِنْ أهْلِ الْمِيْثَاقِ، وَنَحْنُ نُرِيْدُ أنْ نُؤَدِّي دِيَتَهُمَا، فَاتَّخِذُوا بهَا عَنْدَنَا يَداً نَجْزِيكُمْ بهَا بَعْدَ الْيَوْمِ، فَإنَّ الأَيَّامَ دُوَلٌ "فَقَالُوا: مَرْحَباً وَأهْلاً يَا أبَا الْقَاسِمِ، وَلَكِنَّ إخْوَانَنَا مِنْ بَنِي النَّضِيْرِ لاَ نَقْضِي أمْراً مِنْ دُونِهِمْ، نُعْلِمُهُمْ بذلِكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا يَوْمَ كَذا وقَدْ جَمَعْنَا الَّذِي تُرِيْدُ. فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابُهُ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْمِيْعَادِ؛ أتَاهُمْ وَمَعَهُ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ؛ فَأَجْلَسُوهُمْ فِي بَيْتٍ، ثُمَّ خَرَجُوا يَجْمَعُونَ السِّلاَحَ، وَخَلاَ بَعْضُهُمْ ببَعْضٍ وَقَالُوا: إنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا مُحَمَّداً أقْرَبَ مِنْهُ الآنَ؛ فَمَنْ يَظْهَرُ عَلَى هَذا الْبَيْتِ فَيَطْرَحُ عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيْحُنَا مِنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ جَحَّاشٍ: أنَا، فَجَاءَ إلَى رَحَاءٍ عَظِيْمَةٍ لِيَطْرَحَهَا عَلَيْهِ؛ فَأَمْسَكَ اللهُ أيْدِيَهُمْ. وَقِيْلَ: لَمَّا جَمَعُوا السِّلاَحَ وَهَمُّوا بقَتْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ، جَاءَ جِبْرِيْلُ عليه السلام، فَأَخْبَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلِكَ، فَخَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عَلَى الْبَاب، وَإذا هُمْ مُجْتَمِعُونَ يَنْتَظِرُونَ قُدُومَ كَعْب بنِ الأَشْرَفِ لِيَهْجِمُوا عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابهِ، وَخَرَجَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَإذا هُوَ برَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِماً عَلَى الْبَاب، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أبْطَأْتَ عَلَيْنَا حَتَّى خِفْنَا أنْ يَكُونَ قَدِ اغْتَالَكَ أحَدٌ، فقال:" قَدْ أرَادُوا ذلِكَ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ "ثُمَّ خَرَجَ بَقِيَّةُ أصْحَاب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَحِقُوا جَمِيْعاً بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّ قُدُورَنَا تَغْلِي نُرِيْدُ أنْ نُطْعِمَكَ، وَقَدْ رَجَعْتَ بغَيْرِ عِلْمِنَا. فَأَخْبَرَهُمْ بمَا هَمُّوا بهِ وَعَزَمُوا عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ). ومعناهَا: يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باللهِ وَكُتُبهِ وَرُسُلِهِ احْفَظُوا مِنَّةً اللهِ عليكم إذْ هَمَّ قومٌ - وهم بَنُو قُرَيْظَةَ - أن يَبْسِطُوا إليكُم أيديَهم بالقتلِ.
﴿ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ﴾؛ بالمنعِ عن قَتْلِكُمْ.
﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾؛ في جميعِ أمُورهم وأحوالِهم.