قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ ﴾؛ معناهُ: واقرأ يا مُحَمَّدُ على قومِكَ خبرَ ابْنَي آدَمَ بالصَّدقِ؛ إذ وضعَا على الجبلِ قُرْبَاناً، والقُرْبَانُ: مَا يُتَقَرَّبُ بهِ إلى اللهِ تَعَالَى. وقِيْلَ: معناهُ: واقرأ على أولادِ هؤلاء الذي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ من أهلِ الكتاب حتى يُقِرُّوا برسالتِكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا ﴾ أي قُبلَ القربانُ من أحدِهما، ولم يُتَقَبَّلْ من الآخر، ومعنى القبول: إيجاب الثواب. قال ابنُ عبَّاس: (وَذَلِكَ أنَّ حَوَّاءَ كَانَتْ تَلِدُ كُلَّ بَطْنٍ وَلَدَيْنِ ذكَرٍ وَأنْثَى؛ إلاَّ شيث فَإنَّهَا وَلَدَتْهُ مُنْفَرِداً، فَوَلَدَتْ أوَّلَ بَطْنٍ قَابيْلَ وَأُخْتَهُ إقْلِيْمَا، ثُمَّ وَلَدَتْ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي هَابِيْلَ وَأُخْتَهُ لَبُودا. فَلَمَّا أدْرَكُوا، أمَرَ اللهُ آدَمَ أنْ يُزَوِّجَ قَابيْلَ أخْتَ هَابيْلَ، وَيُزَوِّجَ هَابيْلَ أخْتَ قَابِيْلَ، فَرَضِيَ هَابيْلُ وَكَرِهَ قَابيْلُ؛ لأَنَّ أخْتَهُ كَانَتْ أحْسَنَهُمَا، فَقَالَ آدَمُ: مَا أمَرَ اللهُ إلاَّ بهَذا يَا بُنَيَّ؛ وَلاَ يَحِلُّ لَكَ. فَأَبَى أنْ يَقْبَلَ؛ وَقَالَ: إنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْ بهَذا وَإنَّمَا هُوَ مِنْ رَأيكَ. فَقَالَ لَهُمَا: قَرِّبَا قُرْبَاناً؛ فَأَيُّكُمَا يُقْبَلُ قُرْبَانُهُ فَهُوَ أحَقُّ بهَا. وَكَانَ هَابيْلُ صَاحِبَ غَنَمٍ، وَقََابيْلُ صَاحِبَ حَرْثٍ، فَقَرَّبَ هَابيْلُ كَبْشاً سَمِيْناً وَلَبَناً وَزُبْداً، وَقَرَّبَ قَابيْلُ سُنْبُلاً مِنْ شَرِّ زَرْعِهِ، وَأضْمَرَ فِي قَلْبهِ مَا أبَالِي أتُقُبلَ مِنِّي أمْ لاَ، لاَ يَتَزَوَّجُ أخْتِي أبَداً، وَأضْمَرَ هَابِيْلُ فِي نَفْسِهِ الرِّضَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَوَضَعَا قُرْبَانَهُمَا عَلَى الْجَبَلِ، فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَمَا أَكَلَتْ شَيْئاً مِنَ السُّنْبُلِ بَعْدَ، ثُمَّ أكَلَتِ الْكَبْشَ وَاللَّبَنَ وَالزُّبْدَ، فَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ ﴾.
فَنَزَلُوا الْجَبَلَ وَتَفَرَّقُوا، وَكَانَ آدَمُ عليه السلام مَعَهُمْ، فَذَهَبَ هَابيْلُ إلَى غَنَمِهِ، وَقَابِيْلُ إلَى زَرْعِهِ غَضْبَانَ وَأظْهَرَ الْحَسَدَ لِهَابِيْلَ، وَقَالَ: يَا هَابيْلُ لأقْتُلَنَّكَ! قَالَ: وَذَلِكَ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى تَقَبَّلَ قُرْبَانَكَ وَرَدَّ عَلَيَّ قُرْبَانِي، وَتَنْكِحُ أخْتِي الْحَسَنَةَ، وَأنْكِحُ أخْتَكَ الْقَبِيْحَةَ، فَيُحَدِّثُ النَّاسَ أنَّكَ خَيْرٌ مِنِّي. ﴿ قَالَ ﴾؛ هَابِيْلُ: مَا ذنْبي فِي ذلِكَ؟!). ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾؛ أي من الزَّاكيةِ قلوبُهم الذين يخافونَ على حسناتِهم أن لا تُقْبَلَ، ولم تَكُنْ أنتَ زَاكِيَ القَلْب، فردَّ اللهُ قربانَكَ حيث نِيَّتَكَ. وَقِيْلَ: أرادَ بالمتَّقين الذين يَتَّقُونَ الشِّرْكَ. قال ابنُ عبَّاس: (كَانَ قَابيْلُ كَافِراً) وَفي أكثرِ الرِّواياتِ أنَّهُ كانَ رَجُلَ سَوْءٍ. قال الحسنُ: (كَانَ الرَّجُلُ إذا أرَادَ أنْ يُقَرِّبَ الْقُرْبَانَ؛ تَعَبَّدَ وَتَابَ وَتَطَهَّرَ مِنَ الذُّنُوب وَلَبسَ الثَّيَابَ الْبيْضَ، ثُمَّ قَرَّبَ وَقَامَ يَدْعُو اللهَ، فَإنْ قَبلَ اللهُ قُرْبَانَهُ جَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ، وذلِكَ عَلاَمَةُ الْقَبُولِ، وَإنْ لَمْ تَجِئْ نَارٌ فَذلِكَ عَلاَمَةُ الرَّدِّ).