قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾؛ قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:" لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ ﴾ قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أسَيْدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أفِي كُلِّ عَامٍ؟فَوَجَدَ مِنْ قَوْلِ ذلِكَ الرَّجُلِ وَجْداً شَدِيداً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: " مَا كَانَ يُؤْمِنُكَ أنْ أقُولَ: نَعَمْ، فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ عَامٍ فَلاَ تُطِيقُوهُ، فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوهُ كَفَرْتُمْ، ذرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ " ". وفي بعضِ الروايات:" أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ خَطِيباً، فَسَأَلَهُ النَّاسُ عَنْ أشْيَاء، فَقَالَ: " لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إلاَّ حَدَّثْتُكُمْ بهِ "، فَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ السُّؤَالَ حَتَّى سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْحَجِّ: أفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَعَادَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ ثَالِثاً، فقال صلى الله عليه وسلم: " لَوْ قُلْتُ لَكُمْ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ " فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: أفِي الْجَنَّةِ أنَا أمْ فِي النَّار؟! فَاشْتَدَّ ذلِكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: رَضِينَا باللهِ رَبّاً وَبالإسْلاَمِ دِيناً وَبكَ نَبيّاً، نَعُوذُ باللهِ مِنْ غَضَب اللهِ وَغَضَب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَرَى عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الْغَضَبُ ". وروي:" أن رجلاً قال يا رسولَ اللهِ أين أبي؟ فقال: " فِي النَّار "، فَقَامَ عُمَرُ رضي الله عنه وَقَالَ: رَضِينَا باللهِ رَبّاً وَبالإسْلاَمِ دِيناً وَبمُحَمَّدٍ نَبيّاً وَبالْقُرْآنِ إمَاماً، إنَّا يَا رَسُولَ اللهِ حَدِيثُو عَهْدٍ بالْجَاهِلِيَّةِ فَاعْفُ عَنَّا عَفَا اللهُ عَنْكَ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ ". ورويَ:" أنَّ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ حُذافَةَ، وَكَانَ يُطْعَنُ فِي نَسَبهِ إذا لاَحَى؛ أيْ يُدْعَى لِغَيْرِ أبيهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أبي؟ قَالَ: " أبُوكَ حُذافَةُ ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقَالَتْ أمُّهُ: مَا رَأَيْتُ وَلَداً أعَقَّ مِنْكَ قَطْ! أكُنْتَ تَأْمَنُ أنْ تَكُونَ أمُّكَ قَارَفَتْ مَا قَارَفَ " نِسَاءُ " أهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَفْضَحَهَا عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ ". وفي رواية أخرى:" أنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ: " أبُوكَ حُذافَةُ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أبي فُلاَنٌ، قَالَ: " إنَّكَ وَلَدُ الزَّانِيَةِ، وَإنَّ الَّذِي وُلِدْتَ عَلَى فِرَاشِهِ كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ، فَتَعَرَّضَتْ أُمُّكَ لِحُذَافَةَ فَجَامَعَهَا فَاشْتَمَلَتْ بكَ " "فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ. ومعناها: يا أيُّها الذين آمَنوا بالله ورسولهِ لا تسأَلُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن أشياء إنْ أظهرَ لكم جوابَها ساءَكم، ذلك ﴿ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ ﴾؛ وإنْ تسألوا عنها عندَ نُزول القرآنِ أظهرَ لكم جواباً.
﴿ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا ﴾؛ أي عن مسأَلتِكم لم يؤاخذكم بالبحثِ عنها. ويقال: أراد بالعفوِ السترَ عليهم.
﴿ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾؛ أي متجاوزٌ عن العباد، حليمٌ عن الجهَّال لا يعجِّلُ عليهم بالعقوبةِ.