قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ ﴾ يعني يومَ القيامةِ، ونُصِبَ (يَوْمَ) على إضمار اذكُروا واحذرُوا، ويحتمل أنه انتصبَ بقولهِ ﴿ وَاتَّقُوا الله ﴾، والسُّؤال للرسلِ توبيخٌ للذين أرسِلُوا إليهم، كما في قوله تعالى﴿ وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ﴾[التكوير: ٨] إنما تُسأل الموءودَةُ لتوبيخِ قاتِلها. وأما قولُ الرسلِ: (لاَ عِلْمَ لَنَا)، فقال ابنُ عبَّاس والحسن والسديُّ ومجاهد: (إنَّ هَذا الْجَوَابَ إنَّمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ مَوَاطِنِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ زَفْرَةِ جَهَنَّمَ، وَجُثُوِّ الأُمَمِ عَلَى الرُّكَب، لاَ يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ إلاَّ قَالَ: نَفْسِي نَفْسِي، فَعِنْدَ ذلِكَ تَطِيرُ الْقُلُوبُ مِنْ أمَاكِنِهَا، فَتَقُولُ الرُّسُلُ مِنْ شِدَّةِ هَوْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهَوْلِ الْمَوْطِنِ: لاَ عِلْمَ لَنَا) ﴿ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ ﴾؛ تُرجِعُ إليهم عقولُهم، فيشهَدُون على قومِهم أنَّهم بلَّغوهم الرسالةَ، وأنَّ قومَهم كيف ردُّوا عليهم. فإن قِيْلَ: كيف يصحُّ ذُهول العقلِ مع قولهِ تعالى﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ ﴾[الأنبياء: ١٠٣] قِيْلَ: إن الفزعَ الأكبرَ دخولُهم جهنَّم. وعن ابنِ عبَّاس: (أنَّ مَعْنَى: لاَ عِلْمَ لَنَا؛ أيْ لاَ عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا)، فَحُذِفَ الاسْتِثْنَاءُ. وَقِيْلَ: معناهُ: لا علمَ لنا بتفصيلِ الأمُور.


الصفحة التالية
Icon